فاجأ الرئيس الأمريكي ترامب الجميع بإعلان رغبته في الحوار مع إيران بدون شروط مسبقة وفي أي مكان وزمان تحدده إيران, في توقيت وصلت فيه العلاقات الأمريكيةالإيرانية إلي ذروة توترها, عقب انسحاب الولاياتالمتحدة من الاتفاق النووي, وإعلان فرض عقوبات اقتصادية, بلغت حد إعلان ترامب أنه سيمنع صادرات إيران من النفط, وهددت إيران بإغلاق مضيق هرمز, ومنع كل دول الخليج من تصدير النفط, فماذا أراد ترامب من وراء مبادرته؟ لا يمكن أن تكون مبادرة ترامب جاءت عفوية, فالأزمة مع إيران تتصدر الاهتمامات الأمريكية المنصبة علي سبل محاصرة النفوذ الإيراني, خصوصا مع اقتراب القوات الإيرانية والسورية من الجولان السوري المحتل, وفشل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في استمالة روسيا إلي ممارسة ضغوط علي إيران لسحب قواتها من سوريا, أو علي الأقل إبعادها عن الحدود الإسرائيلية, كما لم تغير التهديدات الأمريكية من السلوك الإيراني, ولهذا أراد ترامب من وراء عرض التفاوض تحقيق إحدي نتيجتين, إما أن ترفض إيران, وتبدو أمام الحلفاء الأوروبيين وغيرهم أنها تتصلب في مواقفها, وتنضم إليها في فرض العقوبات, أو تقبل إيران مجرد مبدأ التفاوض ليبدو أن تهديدات ترامب قد أثمرت, وأنها أجلست إيران علي مقعد التفاوض تحت ضغط العقوبات, وأن تنقسم القيادة الإيرانية بين متشددين رافضين للتفاوض ومعتدلين يريدون التوصل إلي إتفاق مع الولاياتالمتحدة حول القضايا الخلافية, والمتعلقة ببرنامجها الصاروخي ودعمها للتنظيمات المناوئة للولايات المتحدة وحلفائها في العراق ولبنان واليمن إلي جانب الأزمة السورية, لكن الرد الرسمي الإيراني جاء مخيبا, ولم يرفض التفاوض من حيث المبدأ, لكنه اشترط الغاء العقوبات الأمريكية وعودتها إلي الاتفاق النووي, وهو ما لا يمكن لإدارة ترامب أن تعود عنه, لكن مجرد تداول إمكان الجلوس علي طاولة التفاوض بين الولاياتالمتحدةوإيران من شأنها أن تخفف من حدة الاحتقان بين الجانبين, والابتعاد ولو قليلا عن حافة الهاوية, فلو نجح ترامب في فرض قيود مؤلمة ضد طهران, مثل منعها تماما من تصدير النفط, فإن إيران ستعتبره إعلان حرب, وقد تقدم علي خطوات استفزازية في مضيق هرمز, لتجد الولاياتالمتحدة أنها مجبرة علي الحرب, كما أن القوات الأمريكية الموجودة في سوريا أصبحت مضطرة إلي الانسحاب أو الاشتباك مع القوات السورية وحلفائها بعد أن نجحت سوريا في بسط سيطرتها الكاملة علي الحدود الجنوبية, ولم يعد أمامها إلا بسط السيطرة علي إدلب وشرق الفرات, كما وصلت الأزمة اليمنية إلي مدي أخطر, لتتقارب خطوط التماس الملتهبة بين الولاياتالمتحدةوإيران في أكثر من مكان, وقد أبدت القيادات العسكرية الأمريكية قلقها من اشتعال حرب واسعة في المنطقة, وهو ما تحاول أن تتجنبه, لكن تقدم إيران وحلفائها لا يمكن السكوت عليه, ولا يبدو أن العقوبات الإقتصادية يمكن أن تحقق أهدافا سريعه, خصوصا في ظل رفض أوروبا الإشتراك في فرض عقوبات علي إيران, والدعم الذي تتلقاه طهران من روسياوالصين, وإعلان كل من الصين والهند وباكستان وتركيا أنها ستواصل استيراد النفط والغاز من إيران, ولهذا رأي ترامب أن التلويح بأغلظ العقوبات والتهديدات مع إعلان الرغبة في التفاوض قد يحقق للولايات المتحدة بعض المكاسب, ويحفظ لها هيبتها دون أن تتورط في حرب واسعة أو تخسر حلفاءها. إن مبادرة ترامب لا تحمل الكثير من التفاؤل تجاه أزمات المنطقة, لكنها قد تمنح أطرافها فرصة لإعادة حساباتها, وتجنب الارتطام الكبير.