إن إصلاح ذات البين للمسلم أمر شرعي في أي مجتمع يعيش فيه, ومع جميع الناس الذين يتعامل معهم, استجابة لأمر الله تعالي.. وأصلحوا ذات بينكم وعلامة صلاح ذاته ألا يصدر عن المسلم أذ أو ضرر لأي كائن وأن يكون أساس فعله يعود بالنفع العام علي كل من حوله لأن فساد ذت البين أمر خطير كونها كما قال النبي صلي الله عليه وسلم فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين. يقول الدكتور محمد الطيب خضري العميد السابق لكلية الدراسات الاسلامية بالأزهر الشريف إن إصلاح ذات البين أمر لايطلع عليه إلا الله عز وجل فهذا أمر بين العبد وبين ربه سبحانه وتعالي والمراد به نية الانسان في أقواله وأفعاله وتصرفاته ولاينصلح ذات البين إلا إذا صلحت النوايا وخلصت الأقوال والأفعال لله عز وجل. وكان مرد كل ذلك في صالح المجتمع والأسرة التي يعيش فيها الانسان سواء أكان هذا المجتمع الذي يعيش فيه الانسان متسقا مع معتقداته أو مختلفا معه. لأن صلاح ذات البين للمسلم علي وجه الخصوص أمر مطالب به شرعا في أي مجتمع يعيش فيه ومع أي أناس يتعامل معهم لأن الأمر الإلهي في ذلك قول الله عز وجل واصلحوا ذات بينكم. والمراد بذات البين هنا أساس قول الانسان أو فعله أو تصرفه. فالمسلم يجب أن يكون ملتزما باصلاح ذات بينه, فلا يظهر خلاف ما يبطن ولايتصرف تصرفا فيه ضرر لانسان أو حيوان أو نبات أو جماد وإلا عد عند الله عز وجل مفسدا والله لايحب المفسدين. ويضيف الطيب أن علامة صلاح ذات البين ألا يصدر عن المسلم ضرر لأي كائن وأن يكون أساس فعله وتصرفاته يعود بالنفع العام علي كل من حوله سواء من اتفق معه في الفكر أو اختلف.. أو اتفق معه في المعتقد أو اختلف. فنحن المسلمين مطالبون بأن نحسن ذات البيت, وكما نعلم جميعا أن القاعدة الشرعية أن الأعمال والأقوال والأفعال تحسب عند الله تعالي بالنيات ولاتحسب بالظواهر فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات ولكل إمرئي ما نوي فالأساس عند الله هي النية المصاحبة للمل أو القول أو التصرف. فقد قال صلي الله عليه وسلم نية المرء خير من عمله ومن هنا كان اصلاح ذات البين أمرا لازما وواجبا علي كل من شهد ان لا إلا وواجبا علي كل من شهد أن لا إله الا الله محمد رسول الله وان أي انسان يصدر عنه قول أو فعل يسيء به إلي انسان آخر ويسيء به إلي مجتمع يعيش علي أرضه. فانه صاحب نية فاسدة ولاصلاح له إلا إن أصلح ذات بينه وأصلح نيته وأصبحت تصرفاته فيها الخير لكل من حوله وفيها النماء لمجتمع يعيش علي أرضه. أصلحوا ذات بينكم و يقول الشيخ محمد محمود فكري بالأزهر الشريف أول ما نطالع في كتاب الله أمره جماعة المؤمنين أن يبرهنوا علي إيمانهم بإصلاح ذات البين, ونبذ الفرقة والتخاصم, قال جل وعلا:{ فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين}. والمراد بذات البين: تلك الخصال المؤدية إلي الفرقة والمهاجرة والمخاصمة بين اثنين. وإن خطورة فساد ذات البين لتتضح من ذلك الذي قاله سيدنا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين فقد بين النبي صلي الله عليه وسلم أنها تؤدي إلي إفساد دين المرء, وعرض بأنها تأخذ من درجات إيمانه المرتفعة, وتنزل بها إلي أحط الدرجات, وأسفل الدركات. فإذا كانت تلك هي خطورة فساد ذات البين فلابد أن يكون نقيضها علي نقيضها, تلك هي النتيجة الحتمية, والمسلمة العقلية التي تؤكدها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. فمن القرآن الكريم نقرأ قوله سبحانه:( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما). فالله سبحانه وعد المصلحين بين الناس بأجر عظيم, وتأمل أيها القارئ الكريم أليس الله عظيما؟ فهو سيهب عظيما لا يليق إلا بعظمته بحيث لا يخطر لامرئ علي بال, وكفي بذلك تحفيزا للناس علي إصلاح ذات البين. ومن السنة نجد ما يرويه البخاري في تاريخه أن سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ما عمل ابن آدم شيئا أفضل من الصلاة, وصلاح ذات البين, وخلق حسن. بل أكثر من ذلك إن أردت أن تكون المتصدقين بغير مال وتكون صدقتك من أفضل الصدقات فعليك بإصلاح ذات البين فقد أخرج الطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: أفضل الصدقة إصلاح ذات البين. وصدقتك هذه لا تساويها النوافل من الصلوات والصدقات فضلا عن صيام التطوع, فقد أخرج أبو داود فيما يروي أبو الدرداء عن سيدنارسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلي, يا رسول الله, قال: إصلاح ذات البين.... ويضيف فكري ولما كان إصلاح ذات البين منهجا نبويا, ونبراسا شريفا يهتدي به الصحابة لم يقتصر الأمر عندهم علي كون الإصلاح من أفضل الصدقة أو خيرا من نوافل الصلاة والصيام والصدقة بل إنهم وجدوا فيه النجاة من الزلازل والصواعق والكوارث البيئية الفتاكة ودونك تلك القصة التي توضح لك ذلك. في عام41 من الهجرة النبوية المشرفة الذي يسمي عام المجاعة أمطرت السماء بدل الماء دما فاضطرب الناس وظنوا أن القيامة قامت, وهاجوا وماجوا, فقام عمرو بن العاص صاحب سيدنا المصطفي صلي الله عليه وسلم بين الناس خطيبا, فحمد الله وأثني عليه بما هو أهله ثم قال: أيها الناس أصلحوا ما بينكم, ولا يضركم لو اصطدم هذان الجبلان. فتأمل كيف جعل الإصلاح فيما بينهم وبين بعضهم بعضا حصنا حصينا, ودرعا قوية يتترسون بها من كل شيء يخافونه, فما أحوجنا إلي تلك الثقة في الله والتي غمرت الفؤاد بأنوار الإيمان, كنا نتحدث عن إصلاح ذات البين بين مخلوق ومخلوق فإننا ينبغي أن نردفه بالحديث عن أن نلغي الفجوة التي بيننا وبين الله عز وجل لا سيما وقد بسط إلينا يد المصالحة, وبادر هو بالعفو والمغفرة, قال جل جلاله في الحديث القدسي: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي, ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه, ومن تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا, ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا, ومن أتاني يمشي أتيته هرولة, إذن فالعز كل العز في المصالحة مع الله. وإذا كان في المصالحة مع الناس أمن الدنيا وأمانها, ففي المصالحة مع الله ملك الدنيا والآخرة.