ما إن تذكر كاليفورنيا حتي تتداعي مشاهد مدينةديزني لاند الترفيهية وشخصيات والت ديزني الكرتونية, ميكي ماوس, بطوط, جوفي, توم وجيري, وغيرهم . حيثما تولي وجهك تبرز مطاعم الوجبات السريعة كأحد رموز الحضارة الأمريكية. علي خلاف ما رسمته الشاشة في أذهاننا من تصورات عن بلد العجائب, تدهشك نسبة البدانة العالية. في المطاعم, تكاد تكفي وجبة الفرد شخصين مع كوب مياه غازية يقارب النصف لتر لا يكف النادل عن ملئه متي نقص. سألته, ماذا تفعلون بما يتبقي من طعام.( نلقيه في صندوق القمامة), أجاب بتلقائية.( ألا يمكن تعبئته في أكياس وتوزيعه علي المتسولين المنتشرين علي الأرصفة), سألته, فأجاب( لا يمكن تقديم طعام مسه زبون لآخر). إجابة من شخص لم يجرب الجوع.في شوارع كاليفورنيا, تبهت صورة النموذج الأمريكي الأنيق المرسوم علي شاشات التليفزيون والسينما بتكوينه الرياضي المفتول العضلات وحركاته السريعة الرشيقة. تكتظ الطرقات بنسب عالية للبدانة ومتسولين يسألون الناس إلحافا. زرت مدينة الإنتاج الإعلامي ضيفا علي برنامج تليفزيوني. أدت ندرة اللوحات الإرشادية بالمدينة إلي تيه تعرفت به علي الاستديوهات الخارجية, الحي الإسلامي, جاردن سيتي, القاهرة القديمة, وغيرها من أماكن تنتظر الترويج. أصول استثمارية متعطشة إلي التطوير. علي النقيض, تحولت شوارع مدينة ورزازات المغربية وصحرائها إلي استديوهات مفتوحة يقصدها أقطاب السينما العالمية. أبرز الأفلام صورت هناك, لورانس العرب,المصارع, كليوباترا,لؤلؤةالنيل. كما تحولت استديوهات إمارة عجمان في الثمانينيات إلي قبلة لشركات الإنتاج التليفزيوني العربي,بينما عرفت السينما العالمية مؤخرا أفلام بوليود( الاسم مشتق من كلمتي بومباي وهوليود) الهندية. ميزانيات تمويل هائلة. أداء متميز. إبداع في الصورة والحركة, يتحول معها كل مشهد إلي لقطة فوتوغرافية تستحق التأمل. وصلت الاستديو مبكرا, فجلست في غرفة الانتظار, تبادلت حديثا جانبيا مع أحد المذيعين, ومر بنا المذيع ذو الصوت الرياضي والجسم المترهل. من أدبيات الاستديو معرفة كيف تواجه الكاميرا; تحدد زاوية الكادر أين تجلس المذيعة, وكيف ينسدل الشعر علي جبهتها مواريا ندوبا أبت الرحيل.. تبدو القناة شديدة الصخب, ضوضاء, غرف تنتشر فيها شاشات وشباب يتابعون الأخبار والإنترنت, يتصيدون الأخبار ليلقوا بها علي شريط أحمر يبدأرسائله المملة بكلمة( عاجل). وحدها تنعم استديوهات الهواء بالهدوء, فالبث مباشر, وما تقوله يسمعه ويراه الآخرون. يختلف مشهد الاستديو علي شاشة التليفزيون عن صورته الحقيقية, كابلات مبعثرة تتشابك علي الأرض كخيوط المكرونة الإسباجيتي.يثبت فنيو الكاميرات زاوية التصوير ثم ينهمكون في متابعة مواقع التواصل الاجتماعي علي أجهزة المحمول دونما يلتفتون لما يدور أمامهم, أرضية تحتاج إلي تنظيف. في غرفة الانتظار, يجلس مجموعة من الشباب قبالة سيدة في العقد الرابع من العمر. بدا الحوار عصبيا متحفظا, ثم ما لبث كل منهم أن تحدث عن مشكلته. في البداية, ظننت أنهم يستعدون للمشاركةبأحد البرامج, أوضح الحديث أنهم يعملون بالقناةويرفعون شكواهم إلي مديرة الموارد البشرية.( أعمل بالقناة منذ أكثر من عامين, بلا تأمينات), قال أحدهم.( فرحت عندما اختارتني القناة للعمل بها كمذيعة عقب تخرجي بتفوق. أعمل بدون أجر منذ عام ولا أتقاضي سوي خمسمائة جنيه بدل انتقال), قالت فتاة. تشابهت الشكاوي لشباب يعملون تحت وطأة البطالة والأمل في غد يمسح جراح القهر والإذعان. بررت السيدة وشرحت. عكست ملامحهم عدم قناعتهم بما تقول, وعندما حانت مني التفاته تسمرت عيناي علي الشاشة تعرض علي الهواء لقاء حول حقوق العاملين بالقطاع الخاص.