لا بد أن نعترف بأن هناك مؤامرة لتجزئة وتقسيم المشرق العربي وإضعافه لحساب إسرائيل وأن ملامحها اتضحت في مجموعة من الظواهر التي استخدمت من أجل تدمير الدولة الوطنية في العديد من الدول العربية وهز بنيانها مستغلين في ذلك ضعف هياكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. النتيجة نراها واضحة العيان في سورياوالعراق واليمن وليبيا وإذا ساءت الأمور يمكن أن نراها قريبا في الخليج. ما فعله ترامب بالتعاون مع بنامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل بدون الدخول في نهج المفاوضات مع الفلسطينيين يمكن وضعه في هذا الإطار: أولا: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يجهز من الآن حملته الانتخابية للدورة الثانية وبالتالي يلعب علي الدور المؤثر والقوي لايباك اللجنة الإسرائيلية الأمريكية العامة في أروقة الكونجرس الأمريكي وفي الدوائر الانتخابية المختلفة, بالاضافة إلي القدرات التمويلية الرهيبة التي تقدمها هذه اللجنة وأنصارها للمرشحين سواء للرئاسة أو للكونجرس. ثانيا: أن دونالد ترامب ينافق الحركة المسيحية الصهيونية التي تبنتها الكنيسة الافنجيلكان في منتصف القرن العشرين حيث يؤمن بعضهم بأن عودة اليهود إلي إسرائيل سوف تؤدي إلي الظهور الثاني للسيد المسيح, بالاضافة الي فكرة ضرورة تشجيع اليهود للتحول إلي المسيحية لتحقيق نبوءة الإنجيل قد انتشرت في الأوساط البروتستانتية منذ الإصلاح الكنسي.. وهؤلاء لديهم قوة تمويلية ضخمة نتيجة انتشار الحركة في الولاياتالمتحدة. ثالثا: أدت حركة داعش الإرهابية الغرض منها بدون أن تمس اسرائيل أو حتي تقترب منها, بدليل رعاية جرحاهم داخل اسرائيل واحتجاج الدروز علي هذه الرعاية الاسرائيلية بشكل علني في واقعة نشرتها الصحف ووسائل الإعلام.. الآن انكشف المستور واتضح من الذي وفر الرعاية لهذه الجماعات الارهابية ومن وفر لها السلاح ومن قدم لها الرعاية اللوجيستية ومن أتاح لها سرقة النفط وبيعه إلي تركيا, ومن ثم أصبح الحديث مركزا علي الانتصار علي داعش في العراق وفي انتظار الخلاص من الحركة في سوريا. رابعا: التركيز علي مسألة انتقال بعض عناصر داعش إلي مصر عبر سيناء والصحراءالغربية من ليبيا ومحاولة إجهاد الجيش المصري في عمليات بالقطع تحظي بدعم دول وأقمار صناعية وتمويل وأسلحة, هذه ليست حركة أفراد- إرهاب للإرهاب- هذه حركات منظمة وراءها أهداف سياسية وعسكرية. خامسا: دونالد ترامب لا يعبر بشكل كامل عن كل عناصر القوة والضغط في النظام السياسي الأمريكي وإنما هناك هامش يلعب من خلاله لصالحه لتحقيق أهدافه السياسية في الاستمرار في البيت الأبيض وتجنب تقديمه للمساءلة في الكونجرس من خلال استخدام اللوبي اليهودي وغيره للضغط علي أعضاء مجلسي النواب والشيوخ لتجنب التصويت ضده وإسقاطه في حال وصلت المسألة إلي مرحلة مساءلته عن اتصاله بالروس خلال الحملة الانتخابية وغيرها من الأخطاء التي وقع فيها. سادسا: أن ردود الفعل الدولية تثبت بما لا يدع مجالا للشك خطأ دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل إذ أعلنها الرئيس الفرنسي ماكرون في وجه نتنياهو خلال المؤتمر الصحفي الذي عقداه, وهذا يمنح هامشا كبيرا للدبلوماسية المصرية والعربية والاسلامية لإدانة قرار ترامب والسعي لاتخاذ خطوات أخري ضد الاثنين واشنطن وتل أبيب, لقد انتهي زمنPaxaAmericana أو ما يعرف بالعصر الأمريكي لصعود قوي أخري في النظام الدولي تعارض الولاياتالمتحدة وسياساتها الجائرة ضد الشعوب الأخري.