أثار إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن اعتراف بلاده بأن القدس هي العاصمة الأبدية لإسرائيل وعن عزم الإدارة الأمريكية نقل السفارة إلي القدس ردود فعل غاضبة دارت ما بين الشجب والرفض والإدانة ومطالبة الإدارة الأمريكية بمراجعة موقفها, إضافة إلي تحديد مسارات للتعامل مع تبعات القرار ولا بد في هذا الإطار أن يتخذ الرد العربي مسارا تصاعديا بخطوات ذات طابع مؤسسي والتحرك في إيجاد الرد وأن يسير في ثلاثة مسارات متوازية; مسار مباشرtrackonediplomacy ومسار ثانيtracktwodiplomacy ومسار واحد ونصtrackoneandhalfdiplomacy. ويتطلب المسار الأول توحيد الجهود العربية عبر تصفية الخلافات البينة بين كافة الدول العربية عبر مبادرات وحلول عربية دون الاعتماد أو الاستقواء بالولاياتالمتحدةالأمريكية للخروج من المأزق الحالي للوضع العربي, والعمل علي انعقاد الجامعة العربية علي مستوي الرؤساء والملوك وعدم الاكتفاء بالمستوي الوزاري وبحث سبل انعقاد منظمة التعاون الإسلامي لمطالبة اللجنة الرباعية الدولية بإصدار بيانات تحذر من خطورة الإقدام علي نقل السفارة الأمريكية للقدس وذلك بهدف التأثير علي القرار الأمريكي, ولا يجب المراهنة علي الإدارة الأمريكية الحالية في إحداث أي تغييرات إيجابية لصالح الفلسطينيين أو في الضغط علي إسرائيل, بل لابد من العمل علي تقوية الصف الداخلي الفلسطيني وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني بكفاءات لمواجهة الضغوط المحتملة في الفترة القادمة. إضافة إلي تنظيم الجهود والسياسات العربية تحت مظلة واحدة بهدف التواصل والتعاون مع الاتحاد الأوروبي لاسيما البرلمان الأوروبي ليشمل التعاون العديد من الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية وألا يقتصر فقط علي الدعم الاقتصادي لعملية السلام, لكي يتيح هذا التعاون استخدام جميع أوراق الضغط لدي الدول العربية لدفع الاتحاد الأوروبي إلي القيام بدور سياسي متزايد في عمليات السلام والضغط علي الولاياتالمتحدةالأمريكية لحل الصراع العربي الإسرائيلي. وتتخذ الخطوات التصعيدية في تشكيل لجنة تنبثق عن مبادرة السلام العربية والقيام بزيارات مختلفة لجميع الدول لحشد وحث المجتمع الدولي علي رفض القرار الأمريكي بنقل السفارة, هذا بالإضافة إلي حث المنظمات الإقليمية والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجيين علي التصعيد واللجوء إلي المنظمات الدولية خاصة الأممالمتحدة ومجلس الأمن الدولي, وأن تنتهج الدول العربية سياسة التصويت العقابي ضد سياسات الولاياتالمتحدةالأمريكية في المحافل الدولية لاسيما اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وذلك بالتحالفات مع القوي الدولية الكبري التي تتصدي للهيمنة الأمريكية خاصة روسيا والصين. ولتفعيل المسار الثاني من الضروري أن يقوم أشخاص غير رسميين من منظمة فتح بالتلويح بإعلان الانسحاب من اتفاقيات أوسلو, وسحب اعترافهم بإسرائيل ورفض أي وساطة أمريكية من أجل معاودة المفاوضات بحثا عن حل, ويتضمن هذا الحل الحفاظ علي السلطة الفلسطينية ومؤسساتها, وتفعيل العمل الدبلوماسي مع الدول العربية والمنظمات الدولية وعواصم القرار, فضلا عن الإعلان عن تجميد عمل السلطة الفلسطينية, والعودة للعمل ضمن منظمة التحرير مع كل ما يستوجب ذلك من خطط سياسية وعسكرية لمواصلة جهاد الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه مع العمل من الداخل والخارج واللجوء إلي انتفاضة جديدة في الضفة الغربية, والعمل الجهادي المسلح من قطاع غزة, مع تحصين المصالحة مع حماس, والتنسيق ضمن إستراتيجية محددة الأهداف. فيما يتعلق بالمسار الثالث فيعني قيام منظمة أو زعيم عربي بعمل مبادرة غير رسمية تهدف إلي التروي وعدم الانسياق نحو الخيارات الصعبة, وذلك تماشيا مع حاجة العديد من الدول العربية لدعم الإدارة الأمريكية في مواجهة التحديات الراهنة ومواجهة النفوذ الإيراني. ويتضمن هذا الخيار استمرار الاتصالات مع الإدارة الأمريكية للبحث عن الصفقة التي يعدها جاريد كوشنر نيابة عن ترامب لتحقيق التسوية, مع العمل علي احتواء النقمة والغضب الفلسطينيين من خلال تصعيد الخطاب السياسي للسلطة الفلسطينية ضد إسرائيل ومخططاتها. حيث أثبتت الاتصالات العربية مع ترامب مدي محدودية النفوذ العربي, بالرغم من مراهنة العديد من القيادات العربية علي العلاقات الشخصية التي باتت تربطهم مع الرئيس الأمريكي وفي هذا السياق, لا يمكن توقع أن يتعدي الموقف التركي حدود العمل السياسي والإعلامي الداعم للفلسطينيين, في الوقت الذي تستمر فيه إيران في إصدار مواقفها المزايدة وتهديداتها الشكلية ضد إسرائيل. وفي الختام يتضح أن الفلسطينيين والشعوب العربية هم الخاسرون من قرار ترامب, وأن المستفيد الأكبر إلي جانب إسرائيل, هو إيران والمنظمات الجهادية والمتطرفة حيث سيؤدي إعلان ترامب إلي تعطيل حل الدولتين وسقوط الدور الأمريكي كوسيط وحيد لعملية السلام, وتعميم حالة الفوضي وتجدد المواجهات الدامية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.