في ظل الفقر والجهل والعادات والتقاليد المتوارثة تنتشر ظاهرة زواج القاصرات في مصر, حيث يوجد بحسب أحدث إحصائية حكومية في مصر نحو118.9 ألف طفل أعمارهم ما بين10 17 عاما, متزوجون, وتشكل الإناث منهم نسبة93.4%.. وهي الظاهرة التي ناقشت خطورتها مؤخرا لجنة التضامن الاجتماعي والأسرة بمجلس النواب, في طرح للاقتراحات التشريعية المعدة من الحكومة بهدف القضاء علي انتشار الظاهرة لاسيما في محافظات الصعيد والدلتا. لكن هل يعد سن التشريعات كافيا لمواجهة الظاهرة؟ أو أن الأمر يتطلب أيضا تدخلا مجتمعيا واسعا في التصدي لها؟ ويقول د. عبد الهادي القصبي رئيس لجنة التضامن بمجلس النواب إن الأخير يراجع الآن كل التشريعات المرتبطة بهذه المشكلة, لبحث التعديلات اللازمة علي قوانين الطفل والأحوال المدنية وتنظيم عمل المأذونات, وتجريم زواج من هن تحت السن, وأن يكون التثبت من سن الزوجة من خلال الرقم القومي, ولا للتسنين, لأن زواج القاصرات من أخطر القضايا التي تواجه المجتمع المصري, وهي تمثل نحو18% من إجمالي حالات الزواج في مصر, وتصل إلي33% في الوجه القبلي, و37% في محافظة الشرقية وفقا لبحث المؤشرات السكانية كما جاء في اجتماع مجلس النواب مع ممثلي وزارتي الصحة والعدل والمجلس القومي للسكان, وقد اتفقنا في الرأي علي أن نطلق عليها اسم زواج الأطفال حتي يشعر المجتمع بحجم المشكلة وخطورتها, ولأنه بالفعل زواج أطفال حيث تعتبر المواثيق الدولية التي صدقت عليها مصر ومن ذلك اتفاقية الطفل سن الطفولة بثمانية عشر عاما, وحظر الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل زواج الأطفال وخطبة الفتيات لكل من لا يتجاوز ثمانية عشر عاما. ويضيف أن زواج القاصرات هو زواج يتم لكل من لم تبلغ ال18 عاما, وهو مخالف للدستور المصري, حيث نصت المادة80 منه علي أنه يعد طفلا كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره, ومخالف أيضا للفقرة الأولي من المادة الثانية من القانون المصري رقم12 لسنة1996 والمعدل بالقانون126 لسنة2008 علي أنه يقصد بالطفل في مجال الرعاية والمنصوص عليها في هذا القانون كل من لم تتجاوز سنه الثماني عشرة سنة ميلادية كاملة. وهكذا يعد كل من هو أقل من18 سنة طفلا, وهو لا يستطيع تحمل المسئولية القانونية, ويتبع وفقا للقانون ولي أمره, فما بالنا بطفلة لا يتجاوز عمرها11 سنة يتم تزويجها.. إن الأسرة هنا تدفع بطفلتها إلي طريق كله متاعب إما لزواج البنت قبل أن تفتح عينيها, أو بهدف التخلص منها في ظل الفقر, فإذا بها بعد سنوات قليلة قد تدخل عليهم وقد جاءت بفرد جديد بعد إنجابها وطلاقها أو هجرها, مما يزيد من الأعباء المادية للأسرة, ويكون الأمر بمثابة الصعود إلي الهاوية, فبينما تكون هي في سن تنتظر من والديها العطف والرعاية والحنان, تجد نفسها بصدد تحمل المسئولية الكاملة عن أسرة كاملة. وقد يمتد الأمر أيضا إلي خدمة أسرة زوجها وتزداد المشكلة تفاقما مع ارتفاع حالات الطلاق في مثل الزيجات تصل إلي نحو40% وأحيانا استخدام العنف أو القتل, وفي كل الأحوال يدفع الأبناء ثمنا أكبر, فالطفلة تنجب أطفالا, ولا تستطيع استخراج شهادة الميلاد لأنها ليس معها من الأصل في الغالب وثيقة الزواج, وفي المجمل تصبح حقوقها في مهب الريح, خاصة في حالة الطلاق أو وفاة أو هجر الزوج, ويصبح الأبناء مجهولي الهوية, كما أن هذه المشكلة تسهم في الزيادة السكانية السلبية, التي تلتهم كل مدخلات التنمية في مصر, وتزيد من العشوائية, وتهدد أمن المجتمع المصري, وهي مشكلة يتفرع منها البطالة وسوء الخدمات التعليمية, وندرة الخدمات الصحية, لأن هؤلاء الصغيرات ينجبن عددا كبيرا من الأبناء لصغر سنهن, دون وعي ودون تربية صحيحة, وبإمكانيات مادية محدودة, وقد تضطر إلي أن تصبح أما معيلة, في حين أنها لم تستكمل تعليمها, ولم يتم تدريبها بشكل جيد, بالإضافة إلي أنها غير مؤهلة لا جسديا ولا نفسيا ولا صحيا للزواج والإنجاب, وليس لديها النضج أو الثقافة الكافية لتحمل مثل هذه المسئولية. يتابع: انطلاقا من ذلك كله يهتم المجلس بهذه القضية, ويري أنها ليست فقط في الاهتمام بإجراء تغيير في القانون أو سن تشريعات جديدة لكن أيضا في أهمية إعلاء قيمة المرأة ونشر الوعي بمخاطر زواج الأطفال. كما أنها ليست قضية وزارة بعينها, فلا يمكن أن نترك قضية بهذه الخطورة في يد وزارة واحدة إنما هي مسئولية العديد من الوزارات ومؤسسات الدولة مثل وزارة التربية والتعليم التي يقع عليها عبء توعية الصغار بالمخاطر, وكذلك وسائل الإعلام التي ينبغي أن تنبه إلي ضرورة تغيير العادات والتقاليد خاصة في المجتمعات الريفية, وكذلك لوزارات الصحة والتضامن الاجتماعي أدوار مهمة في محاربة الظاهرة. ومن المؤكد أن هناك حراكا قويا ستشهده مصر في المرحلة المقبلة, للحد من هذه الظاهرة التي أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي في إطار اهتمامه بقضية المرأة وارتباطها بتنمية المجتمع جرس إنذار لانتشارها مطالبا بالحفاظ علي البنات القاصرات من مخاطر الزواج المبكر.