كثيرون لا تروق لهم فكرة تربية الحيوانات الأليفة, سيما الكلاب, وربما ينتقدون بشدة من يأتي بهذا التصرف, ولكنهم لو فكروا في البعد النفسي والفلسفي في اقتناء البعض للكلاب, لأدركوا أن رأيهم في غير محله, فلم يبالغ الكاتب العالمي جورج برنارد شو عندما قال جملته الشهيرة: كلما ازددت معرفة بالبشر, كلما ازددت احتراما لكلبي, فكلنا نسمع ونقرأ عن وفاء الكلاب, ولكن من يري بعينيه تختلف نظرته; لأن الرؤية هي التي تجسد الحقيقة بلا زيف. فيقال أن ملكا أمر بتربية عشرة كلاب وحشية; لكي تفترس كل وزير يخطئ بحق الملك, وفي أحد الأيام قام أحد الوزراء المخلصين الصادقين بإعطاء رأي خاطئ, لم يعجب الملك, فأمر برميه للكلاب, فقال له الوزير: لقد خدمتك يا سيدي عشر سنوات بأمانة وإخلاص, ثم تعاقبني هكذا!, أرجوك أن تمهلني عشرة أيام قبل تنفيذ هذا الحكم, فقال له الملك: لك ذلك فذهب الوزير إلي حارس الكلاب, وقال له: أريد أن أخدم الكلاب فقط لمدة عشرة أيام, فقال له الحارس: وماذا تستفيد؟, فقال له الوزير: سوف تري لاحقا, فقال له الحارس: لك ذلك, فقام الوزير بالاعتناء بالكلاب, وإطعامها, وتغسيلها, وتوفير جميع سبل الراحة لها, وبعد مرور عشرة أيام, حان وقت تنفيذ الحكم علي الوزير, فزج الملك الوزير في السجن مع الكلاب, لكن الملك وحاشيته استغربوا الأمر, فالكلاب الجائعة تحرك أذنابها بسعادة, وتنام علي قدمي الوزير, فقال له الملك معاتبا: ماذا فعلت للكلاب؟, فقال له الوزير: خدمت هذه الكلاب عشرة أيام, فلم تنس الكلاب فضل خدمتي, وأنت خدمتك عشر سنوات, فنسيت صدقي وإخلاصي وأمانتي, فطأطأ الملك رأسه, وأمر بالعفو عنه. وهذه القصة تؤكد أن من يحب أن يعيش في مناخ يملؤه الوفاء, فلن يجد أوفي من هذا الحيوان البريء, الذي لا يملك العقل الذي لابد أن يوجهه إلي الإخلاص, ولكنه إخلاص فطري, نابع من شعوره بالامتنان تجاه من يطعمه, ويعامله بحنان, وهذا ليس بالجديد, ولكن الغريب في الأمر, هو لماذا نحن البشر نغير من كل شيء ومن كل الناس, ولا نشعر بالغيرة تجاه من يملك صفة حميدة نفتقدها نحن فبالفعل دائما ما نسمع عن من يغير ويحقد علي نجاح زميله, أو من تغير من جمال صديقتها, ومن يحسد أحد الأشخاص علي ثرائه, أو علي منصبه الرفيع, أو علي زوجته الحسناء, وهناك من يحقد علي من رزق بالأولاد, في حين أنه محروم من نعمة الإنجاب, وهكذا تتوالي أسباب الحقد والحسد والغيرة بين الناس, فهي بدأت منذ بدء الخليقة, عندما غار قابيل من أخيه هابيل, فقتله, وكانت هذه هي أول جريمة في تاريخ البشرية; وكان سببها الحقد والغيرة, وستظل هذه الغريزة مستوطنة في قلوب البشر, ولكن بنسب متفاوتة, حتي نهاية الحياة والعالم, ولكن هل سمعنا من قبل عن حقد شخص علي آخر أو غيرته; بسبب صدقه أو أمانته أو إخلاصه النادر أو تدينه أو صبره أو مشاعره الفياضة وعطائه الجارف. للأسف, أظن أن هذه الأمور ليست محل غيرة أو حتي تفكير بين البشر, فهم يؤثرون المظاهر المادية الخارجية علي الجوهر, ويعتبرون أن المكاسب المادية هي المكاسب الحقيقية, ولا يلتفتون مطلقا إلي المكسب المعنوي, ويعتبرونه نوعا من أنواع المثالية المنقرضة; لذا فلا تندهشوا عندما ترون أحد الأشخاص يجد متعته الحقيقية في الجلوس مع حيوان ضعيف, لا يملك حتي القدرة علي الكلام, والأدهي من ذلك أنه قد يؤثر صداقته علي صداقة البشر; لأنه يجد معه المعاني التي افتقدها في أبناء جنسه, فهل بعد ذلك ستندهشون لو قلت لكم: احاولوا أن تغيروا من الحيوانات! فهم يملكون أحيانا ما لا يملكه البشرب.