في القرن السابع عشر, اكتشف البربر طريقا جبليا يربط بين مدينتي مراكش ووزارات المغربيتين, فازدهرت التجارة, يستخرجون الملح من كهوف الأطلسي ويقايضونه بالذهب , ويجلبون العديد من تمبكتو في مالي ويبيعونهم في أسواق مراكش ومنها إلي أمريكا المكتشفة حديثا, فكشلوا نواة الأمريكان الأفارقة, مارتن لوثر كينج, كلاي, وغيرهم. رغم قسوة الجغرافيا والمناخ, أسس الأمازيغ حضارة ترتكز علي الألفة مع الطبيعة والانسجام مع مفرداتها, مع الوقت هجر الكثيرون صهد الصحراء وذابوا في ملح المدن, وإن ظلوا نسيجا فريدا. تحث أقدام الأطلسي, تستوطن قبائل الأمازيغ صحراء فاقع لونها إلا من بقع خضراء متناثرة تشي بآبار ماء خفية. تستقر القبائل ما توافر الماء. لا يحظي بلقب الشريف إلا من حاز علوم الطب وأسرار الأعشاب, وفهم لغة الطبيعة ومفرداتها من رياح وغيوم, وخبر الزراعة واكتشاف الآبار. يقبض الشريف علي أحد براعم أغصان الزيتون بطريقة معينة. يتحرك ذات اليمين وذات الشمال. يتلفت حواليه, يقرأ الرمل ويفهم مساراته وإشاراته. تتباطأ حركته. يتأمل مواضع قدميه, ثم يدب بهما, معلنا تحديد موضع البئر, وعذب هو أم مالح, تنبت الحياة في الصحراء, ما وجد الماء, زراعة ورعي في المقابل يحصل الشريف علي ربع ما تغله الأرض من حبوب أو ثمار. يعتمد اقتصاد الأمازيغ علي الزراعة والرعي. يعرف الرعاة أغنامهم كما يعرفون أبناءهم. يبدأ دوامهم من الشروق حتي الغروب, تتخلله استراحة الظهيرة, اتقاء لحرارة الشمس. طعامهم خبز وفاكهة مجففة وجرعات ماء. يقيمون ما دام الكلأ, فإذا بدت تباشير الجفاف حزموا خيامهم للرحيل. ترسل القبيلة أصغر وأقوي شبابها لتقصي المكان الأنسب للهجرة. بعد يومين, تتبع القبيلة أثره, يقيد سيرها أغنام لا تستطيع المشي لأكثر من ثمانية كيلو مترات يوميا. مستفيدا من فارق التوقيت وخفة حركته علي حصانه, يجمع الشاب أكبر قدر من المعلومات عن المناطق المرشحة للاستقرار, ثم يأفل عائدا لمقابلة القافلة في الطريق, حيث يقودهم إلي المكان الأنسب. فيستقرون ما توافر الماء والعشب, ثم بعد حين يرحلون, يطلق عليهم البعض بدو رحل ويكنيهم البعض الآخر بالغجر. علي النقيض من مفاهيمنا وموروثاتنا السلبية التي شكلتها سلوكيات الغجر الأوروبيين المتمركزين في صريبا والمجر, والمشهور عنهم السرقة والاحتيال, يتمسك غجر الأمازيغ بجوانب أخلاقية سامية تعتمد علي الصدق وحسن الخلق, فمن يكذب أو يغش تطرده القبيلة وتحرم عليه نساءها. الدين لله وليس أداة للتصنيف, تقريب وإقصاء, الأمان عقيدة, فمن يطرق بابهم يطعم ويسقي ويستأمن. مفهوم رحب للإنسانية يستمد مبادئه من عادات وتقاليد القبائل العربية الأصيلة المجدولة بضفائر الدين الحنيف. تحتل جبال الأطلسي مكانة كبيرة لدي الأمازيغ. رسخ امتدادها عبر ثلاث دول, تونس والجزائر والمغرب, مفاهيم القوة والمنعة والرعاية. آيات بينات, جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود. تكتنز كهوفه ثروات نادرة, وتحظي صخوره بتنوع فريد, حديد, أزوريت أخضر وأزرق., أملاح بيضاء, وبنفسجية, وأخري قائية الحمرة. في الجوار, تتناثر غابات الأرجان البري المميز بزيته الباهظ الثمن والمخصص لأغلي مستحضرات التجميل العالمية. رغم العديد من محاولات استزراعه خارج المغرب, بقي الأرجان حكرا عليها, وسرا من أسرارها, وصناعته مقصورا علي نسائها. سعيا وراء أسطورة لا تتحقق تقصد النساء جبال الكحل المنتصبة علي أكتاف الأطلسي, يقتطعن أجزاء من أحجاره. يسحقونها في شغف. ثم يحفظنا في عيونهن, فلا الكحل فني, ولا المراود فرغت, وليظل المثل, جبال الكحل تفنيها المراود, أسطورة خارج الإمكان.