ألفين توفلر, كاتب ومفكر من طراز رفيع. ولد في نيويورك عام.1928 تخصص في علوم المستقبل, فصارت كتاباته المبكرة عن الثورة الرقمية, وطفرة الاتصالات, والتطور التكنولوجي, وموجات الحضارة الإنسانية, وغيرها دساتير عمل لدول العالم المتقدم. درس علي يديه الكثير من زعماء العالم, ميخائيل جورباتشوف, رئيس الاتحاد السوفيتي سابقا, أبو بكر عبد الكلام, الرئيس الهندي, مهاتير محمد, رئيس وزراء ماليزيا الأسبق, وغيرهم. رحل عن دنيانا في يونيو2016 تاركا خلفه كتبا لا تصدأ مع الزمن: تحول السلطة( جزءين), صدمة المستقبل, بناء حضارة جديدة, الثروة واقتصاد المعرفة, وكتابة الماتع حضارة الموجة الثالثة. موضوع اليوم. مرت الإنسانية بموجتين حضاريتين, الأولي زراعية بامتياز واستمرت لآلاف السنين, والثانية صناعية بحتة دامت لأربعة قرون تلاها حضارة الموجة الثالثة المرتكزة علي المعلوماتية والاتصالات والإنترنت.من ثم, تقبع الدول المتمسكة حاليا بالنموذجين الزراعي والصناعي القديمين علي بعد قرون سحيقةمن واقعنا المعاصر, وعن ديناميات الموجة الثالثة وصهرها مفردات الاقتصاد في بوتقة تكنولوجيا المعلومات منتجة اقتصادا جديدا قوامه المعرفة, ويتسم بقفزات نمو أسيةيضع الجميع أمام خيارين, إما مندمج فعال مع محركات الاقتصاد, وإما متابع خامل قابع في شرنقة السذاجة والتخلف. في الثمانينيات, قفزت الصين علي مبادئ ماوتسي تونج و وضعت كتابة الأحمر في المتحف فتحولت من اقتصاد نصف زراعي ونصف صناعي إلي بلد رائد تكنولوجيا يقلق تطوره أمريكا وأوربا. علي نفس الوتيرة, حققت النمور الآسيوية نقلة نوعية, ليتأكد للجميع أن الانتقال إلي الموجة الثالثة لا يتطلب المرور بما سبق, ولا يحتاج سوي سنوات معدودات, شريطة توافر إطار تنفيذي محدد الأهداف, صارم التنفيذ, ودائم التطور. علي المستوي الإنساني, يكابد مواليد ستينيات القرن الماضي وما تلاها عراك موجتين حضاريتين, صناعية ومعلوماتية, بدا مبدعا ومحبطا في نفس الوقت. مبدعا علي مستوي التواصل الفائق والخدمات الجديدة, ومحبطا علي الجانب الإنساني والتشابك المعقد بين القضايا السياسية والتقنية والإنسانية. ومع غياب هيمنة إحداها, تنذر المواجهةبتحطم صورة المستقبل, مما يعقد من آلية توقع نتائج التحولات والصراعات, فما نظنه جزرا منعزلة متباعدة ليس سوي وهم يؤكد قصر نظرنا علي إدراك أبعاد الأزمات وتشابكاتها المعقدة. لكل موجة حضارية تأثيراتها المباشرة والخاصة علي البنية الاجتماعية. إبان الموجة الأولي, ساد نمط الاستقرار بفعل امتلاك الأرض ودورات زراعية تمتد لشهور, بينما شهدت الموجة الثانية توترات اقتصادية وصراعات اجتماعية ارتفعت وتيرتها بتطور الثورة الصناعية. تغيرت اهتمامات الأسرة, صار السفر والترحال هدفا يحركه البحث عن عمل فانقسمت الأسرة. طغت الميكنة وصار الأجدر بالعمل أولئك الذين يستطيعون التحكم بالآلة. تواري الإقطاعيون مقابل الرأسماليين القادرين علي تحويل ريع الأرض إلي منتجات ذات قيمة مضافة يتجاوز تسويقها القري المجاورة إلي ما عداها من دول وقارات. فرض الإنتاج بالجملة نفسه فتطورت نظم التوزيع, وصارت أغلب حياتنا افتراضية, أسواق, منتديات, مراسلات, ومشاهدات, لتتصدرأرباح آبل وجوجل وأمثالهما المقدمة, وتغيب شركات أخري في ذمة التاريخ. هناك من يكتب التاريخ ليبني المستقبل, وهناك من يعيش فيه هربا من حاضر لا يلبث أن يتحول إلي ماض, لكننا نجزم أن ما نعيشه اليوم, وما سنعيشه غدا يحتم علينا أن ننظر بشكل أعمق في تأثيرات الموجة الثالثة علي تفاصيل حياتنا, وحتمية ابتكار آليات موائمة حتي لا نضطر للقفز في المجهول لأن قدر لنا مواجهة الموجة الرابعة, التي لا ندري ماذا تخبئ, ولا تحت أي عنوان ستأتي.