كلما أعلنوا أسماء الحائزين جوائز الدولة كل عام أصابتني الدهشة. ليست الدهشة تماما لكنه التعجب والاستفهام.. خاصة الجوائز الكبري كجائزة النيل ومن قبلها التقديرية.. فليست قيمتها فيما يقابلها من الناحية المادية بقدر الناحية التقديرية فالمبدعون الكبار يحتاجون التقدير أكثر من المال, إذا أنهم استهلكوا العمر في التأمل والابداع وإفراز العسل لكي يمنحوه للآخرين علي طريق الحياة الشائك مصابيح مضيئة. لكن الملاحظ في السنوات الأخيرة وربما منذ زمن أن جائزة النيل لاتعطي إلا لمن غادر الحياة ومات أو هو علي فراش الموت كما لو كانوا يعطونها أتكلم عن اللجنة المانحة بعد أن غفر له الموت ما كان منه أثناء حياته! أو كما كانوا يستكثرون عليه أن يحس وهجها وأن يفرح ولو قليلا وهو حي.. فتلك الجوائز الكبري من أسمائها تحمل التقدير والنيل رمز الحياة لكل مصر.. هذا ماحدث بالضبط لكل من العظماء الذين نالوها وآخرهم الدكتور طاهر مكي الذي غادر الحياة قبل إعلان اسمه كحائز لجائزة النيل وكان مرشحا لها أيضا الدكتور عبدالمنعم تليمة الذي مات هذا العام دون أن يحصل عليها, ومن قبل الدكتور يوسف ادريس الذي لم يحصل علي التقديرية إلا بعد رحيله كذلك الناقدان العلامتان الكبيران الدكتور لويس عوض والدكتور عبدالقادر القط اللذان نالاها وهما علي فراش الموت قبل رحيلهما بأيام! أما جوائز الدولة التشجيعية التي من اسمها تعطي للموهوبين السائرين علي درب الابداع فالمفروض أن تعطي لهم وهم شباب في مقتبل العمر لتشجيعهم علي مواصلة السير في الدرب العسير..ولكن هذا لايحدث دائما.. فقد حصل عليها هذا العام الشاعر جرجس شكري عن كتابه الخروج بملابس المسرح, وهو عبارة عن مزج واع ومدروس وعميق عما قدمه المسرح المصري في السنوات الأخيرة, وعما جري في المسرح السياسي المقابل في الدولة ذاتها, أي مزج بين المسرحين التمثيلي علي الخشبة والتمثيلي في قاعات السياسة.. وجرجس شكري الذي لم يتقدم للجائزة وحصل عليها أري أنه تجاوزها كشاعر وكناقد وقد زاملته في المجلس الأعلي للثقافة, وكان أصغرنا سنا وكان صموتا يري أن أكثر ما يقال في الجلسات لمجرد اثبات الحضور فاستقال وكما أني كاتب هذه السطور حصلت علي الجائزة التشجيعية عام1992 وأنا اقترب من الخمسين لا لتقدير استحقه ولكن لأن مسرحيتي حلم يوسف حصلت علي الجائزة الأولي في مهرجان عالمي تقدمت له خمسون دولة منها أمريكا وروسيا. أتمني لو أننا قدرنا الناس في حياتهم ونسينا تلك العادة المصرية الموروثة عن الفراعنة وهي تقدير الناس بعد موتهم.