كثيرا ما أسترجع حكمة كاتبي الإسلامي المفضل خالد محمد خالد- رحمه الله- حين قال: اقرأ في غير خضوع, وفكر في غير غرور, وأقتنع في غير تعصب, ثم قل كلمتك. أعتقد أن هذا ما حاولت أن أفعله عندما ألقيت نظرة حيادية وموضوعية علي قانون الأزهر لمكافحة الكراهية والعنف باسم الدين وذلك بعدما قرأت العديد من المقالات التي تعلق عليه. واسمحوا لي بداية أن ألخص أهم بنود القانون والانتقادات التي أثارها قبل أن أدلي برأيي المتواضع. الغرض الأساسي من القانون- فيما أعلم- هو تحقيق السلام والوحدة الوطنية بين مكونات المجتمع( المسلمين والأقباط تحديدا), وهو يتكون من ستة عشر بندا موزعة علي ثلاثة فصول: أحكام عامة, التجريم, العقوبات. القانون في مجمله يدعو إلي ترسيخ احترام الخلافات بين العقائد, وإعلاء مبدأ المساواه وحرية العقيدة وقبول الآخر. ويجرم طرح مسائل العقائد محل الخلاف للنقاش العلني, كما يجرم القانون المساس بالذات الإلهية والأنبياء, أو التعدي علي الكتب السماوية, ويحظر نشر مواد إعلامية تحض علي الكراهية. أثار القانون انتقادات متعددة من المفكرين والكتاب. كاتبة وشاعرة معروفة عانت في الماضي من اتهامات لها بازدراء الأديان, كتبت تري ان هذا القانون هو أسوأ من قانون ازدراء الأديان فبعض فقراته تفتش عن النيات وتقتل الفكر والإبداع. طبيب مرموق مؤسس لحزب سياسي ومهتم بالشأن العام أعترض علي العديد من النقاط ومنها مخالفة القانون للدستور( المادة الرابعة في القانون تتعارض مع الماده65 في الدستور التي تكفل حرية العقيدة والفكر والتعبير عن الرأي). وتساءل أليس في قانون العقوبات الحالي ما يكفي؟. كاتب صحفي اعترض بشدة أيضا علي المادة الرابعة التي تقول لا يجوز الاحتجاج بحرية الرأي أو التعبير أو الانتقاد للإتيان بأي فعل أو عمل ينطوي علي مخالفة أحكام هذا القانون. هذا غير أن كثير من الآراء تحدثت عن الصياغة الفضفاضة غير المحكمة والتي قد ينتج عنها تعسف في تطبيق القانون. في مجمل الأمر أعتقد أن هناك فقرات وجوانب كثيرة إيجابية في هذا القانون ولكني أتفق مع الرأي القائل إن بعض العبارات فضفاضة ويخشي من التعسف في استخدامها. إذا كان القانون يركز علي منع التعصب والكراهية والعنف, فلماذا لا تنص عباراته علي ذلك صراحة ويكون أكثر إحكاما في صياغته؟. مثلا: هل الكراهية في مجملها أمر سيئ؟ أو ليس من الطبيعي أن نكره أفعال الدواعش والإرهابيين ونشمئز من جرائمهم؟ أيضا الفقرة التي تنص علي وقاية المجتمع من محاولة غرس مفاهيم مغلوطة. أليست تلك فقرة فضفاضة فالذي يراه البعض تجديدا وتنقية للخطاب الديني قد يراه البعض الآخر غرسا لأفكار مغلوطة؟ مثلا:عدم المساس بالأنبياء والكتب السماوية. الا يمكن أن تستخدم ضد كل من يحاول حل متناقضات دينية أو يقدم رؤي مختلفة؟ ختاما لعله من الجيد في هذا السياق أن نتذكر بعض فقرات دستور ماعت الذي وضعه أجدادنا- قدماء المصريين- والذي ينفي فيه الميت ارتكابه مجموعه من الآثام متمنيا ان يحظي بالأبدية: أنالم أقتل, ولم أحرض علي القتل. أنا لم أتسبب في الإرهاب ولم أعتد علي إنسان. أنا لم أكن سببا في ألم إنسان أو في ذرف دموع أحد. أنا لم أظلم ولم أضمر نية في أي شر. أنا لم أسرق ولم أستدع شاهد زور. أنا لم أكذب ولم أجرح شعور أحد. أنا لم ألوث المياه أو الأرض ولم أعذب أي حيوان. أنا لم أكن مغرورا ولا تصرفت بغطرسة. أليست تلك التعاليم تتفق مع جوهر الأخلاق في الدين الإسلامي والمسيحي. أليس هذا ما يجب أن يتفق عليه الناس من جميع الأديان؟