تستقر في وجدان الأمم بعض الذكريات التي تتناقلها الأجيال ترديدا وتمثلا, ومن بين هذه الذكريات التراثية في حياتنا أغاني المناسبات عموما ورمضان والعيد خصوصا. ولست هنا بصدد تجميع هذه الأغنيات التي رددناها ولا نزال كابر عن كابر, بل هي وقفة في دوحة الوجدان نلتقط فيها الأنفاس بما يليق بجلال شهر أوشك أن يغادرنا وعيد آت بأمل فيه تجديد. إذ يحسب لتلك الأغنيات تخليدها للعديد من المظاهر والكلمات التي كانت صنوا للشهر وباتت علي وشك الإنقراض أو دخلت فيها معطيات التقنية الحديثة لتخرج بها من إطار العفوية المحببة إلي التنظيم المقنن.!! مثل الفوانيس وأدوات عمل الكنافة والقطايف والكعك, وكذا كلمات وحوي يا وحوي أو حالو يا حالو, لتصبح في قاموس الذكريات. بل إن أغنية مثل وحوي يا وحوي كانت تؤكد تقريرا علي أن بيتك عمران بياميش رمضان دونما إستشراف للظروف الإقتصادية المحتملة التي جعلت من أحد القرارات السيادية يوما ما مثارا للسخرية عندما تم منع إستيراد الياميش توفيرا للعملة الصعبة. والجدير بالذكر أن هذه الأغنية مع مثيلاتها قد عكست مزاجية المجتمع مثل رمضان جانا وفرحنا به ومرحب شهر الصوم مرحب وأهو جه يا ولاد ووالله بعودة يا رمضان وأخيرا والله لسة بدري والله يا شهر الصيام. حيث مزجت كلماتها بين الجانب الروحاني والمظاهر سالفة الذكر, أي بين هدأة التعبد وصخب الزينات لتشعر المستمع بالتوازن الذي كان ينعم به المجتمع المصري تكاملا لا تناقضا. وإن ظلت أغنية وحوي يا وحوي وفق رأي أهل التأريخ الموسيقي الأقدم بل الأكثر ترديدا حيث درج علي غنائها العديد من المطربين منذ عام1937 بصوت مطرب من طليعة الإذاعة إسمه أحمد عبد القادر وحتي محمد منير حديثا, كما تعرضت للتلحين غير مرة. وتجدر الإشارة أن بعض الأغنيات الرمضانية الحديثة أدخلت البعد القومي مثل أغنية حالو يا حالو لصباح التي تبنت هذا التوجه بالقول.. كل يوم جهادنا بيزيد أنوار بلادنا.. وأرضنا الحبيبة مافيهاش إيد غريبة.. والمجد للعروبة طول السنين.. يا حالو..!!. وربما كان هذا التوجه أحد أسباب عدم ذيوع الأغنية, مثلما حظيت به بعض الأغنيات بإختلاف الأسباب مثل خيرات رمضان لإسماعيل ياسين وكريم يا شهر الصيام لنجاة وفرحة رمضان لفاطمة عيد. في حين يدرج البعض أغنية فريد الأطرش هلت ليالي حلوة وهنية ضمن الأغاني الرمضانية رغم عموميتها.!! وذات الأمر ينسحب علي معظم إن لم يكن كل محاولات المطربين المحدثين للغناء لرمضان مثل حمادة هلال وتامر حسني وحكيم, ربما لأن أغاني زمان أوصلت المجتمع لحالة من التشبع الوجداني المستدام, الذي حال بين هذه الأغاني ووجدان الأمة... وعن الصدقية لا الحرفية أتحدث!!. ولتبقي في النهاية( دويتو) الراجل ده حيجنني لفؤاد المهندس وصباح هي الأمتع, حتي أن تكرار المحاولة مع شويكار وبكلمات حسين السيد انتهت لمآل أغاني المحدثين الرمضانية. وما من شك أن أغاني رمضان الشهيرة كانت أوفر حظا من أغاني العيد علي قلتها ربما بحكم التخصيص, لتبقي الرائعة الكلثومية ياليلة العيد في صدارة مفردات الإشعار به, في حين باتت أهلا بالعيد لصفاء أبو السعود أغنية الشباب الدائم.