دخلت المعركة الانتخابية لمجلس الشعب القادم أولي مراحلها الجادة بإعلان جماعة الإخوان المسلمين عن تأسيس حزب سياسي وعن التنافس علي حوالي نصف عدد مقاعد المجلس, وهو ما أثار القلق وربما الخوف لدي قطاعات مختلفة من الشعب, خصوصا وان الأحزاب الناشئة من رحم الثورة لم تثبت وجودها بعد علي أرض الواقع الانتخابي, ومع الظهور السلفي والأزمة الطائفية الأخيرة ازدادت حدة الحملات الإعلامية والفكرية بين التيارات المختلفة من ناحية والتيارات الدينية وخصوصا جماعة الإخوان من ناحية أخري, وتضمن الجدل مصطلحات مثل علمانية الحكم ومدنية الدولة والمرجعية الدينية للأحزاب والليبرالية, وهي مصطلحات لا يتفق الجميع علي تحديد فحواها ولا يفهم الكثير ممن يذهبون إلي صناديق الانتخاب حتي معناها. ومع تقديري لكل هذه المناقشات الجادة والتي اؤيد استمرارها حتي يفهم الجميع ما هو المقصود بالضبط إلا انني اري اننا نغفل زاوية مهمة قد تؤدي المناقشة فيها إلي حل عملي يطبق علي أرض الواقع ويحل المعضلة, المسألة في رأيي اننا لسنا بصدد انتخابات مجلس شعب تقليدي يراقب الحكومة ويسن التشريعات بل اننا بصدد انتخاب ممثلين للأمة كلها يعملون علي تشكيل لجنة تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد يحدد الشكل العام للحياة السياسية في مصر في العقود القادمة. وحتي الآن وعلي حسب علمي لم تحدد بعد معايير الاختيار لمن ينضم للجنة وضع الدستور, وكيفية ترشيحهم وضمهم وآليات عملهم, وما أتوقعه في ظل غياب هذا التصور أن تؤثر الكتل الحزبية المنتخبة في تشكيل هذه اللجنة بنسبة مساوية لحجم تمثيلها في المجلس, وهذا قد يؤدي إلي أزمة جديدة خاصة إذا ما كان الفوز في هذه الانتخابات كسابقاتها لأصحاب المال والمصالح او لمن يلبون المطالب الفئوية لاعضاء الدائرة. ولتجنب هذا السيناريو يجب أن يكون الفوز في هذه الانتخابات بناء علي برنامج انتخابي محوره هو أسماء محددة لأعضاء لجنة تعديل الدستور واقتراح أولي ببنود الدستور الجديد, ان ما اتمناه ان يذهب الناخب هذه المرة لا لاختيار شخص بعينه بل لاختيار من يساعده علي الدفع بالشخصيات التي يريدها في لجنة وضع الدستور وعلي الدفع بالمباديء التي يتمني ان يحتويها الدستور. إن تبني هذا الاتجاه لدي الأحزاب والناخب سوف يعود بالنفع في عدة اتجاهات: اولها إعطاء فرصة أكبر للأحزاب الناشئة علي التنافس حيث إن محور الأختيار لدي الناخب هذه المرة سوف يكون معتمدا علي التشكيل الأولي للجنة الدستور ومبادئها, وهو ما يمكن إيصاله للناس في وقت قصير بمساعدة وسائل الإعلام, وثانيها توفير الكثير من الوقت حيث ستكون الانتخابات القادمة بمثابة استفتاء علي لجنة الدستور, وثالثها: تدريب الناخب علي شكل جديد للانتخابات قريبا جدا من نظام القائمة ولا يعتمد علي المصالح الشخصية الفئوية ولا علي العصبية والقبلية, ورابعها الاعتياد علي شكل جديد لعضو مجلس الشعب مهنته الأصلية السياسة وليست السياسة وسيلة لخدمة مهنته الأصلية. إن تشكيل الدستور هو أهم وأخطر خطوات بناء مستقبل مصر السياسي ويجب أن يكون هذا الدستور ضامنا لمباديء الثورة السياسية من حرية وتقدم وتنمية وعدالة ومساواة دون خلط بين المباديء والآليات, ويجب ان يحدد أدوار المؤسسات والقائمين عليه حيث كفاءة الإدارة هي معيار النجاح في الحكم ويجب ان يكون دستورا متفقا عليه من جميع التيارات والأطياف ويجب أن يكون محصنا ضد من يحاول ان يغيره في لحظات الغفلة لخدمة مصالح أو ايديولوجيات خاصة, حينها فقط لن نخشي ان وصل الإخوان او غيرهم للحكم طالما ان ما نتوقعه ممن يحكم أصبح محددا.