آمنت منذ سنوات أن مشكلتنا تكمن في طبيعة ثقافتنا لا في ديننا أيا كان فشرقيتنا تفرض علينا دوما حالة من الأحادية الفكرية ترفض الآخر أيا كان الآخر. فنحن مؤمنون ومن عدانا...فلا. ونحن علي صواب ومن سوانا فعلي خطأ. وتسأل في كل مرة ولماذا نحن؟ لماذا ليسوا هم؟ ولماذا لا نتقبل فكرة أن الحقيقة ليس لها وجه واحد بل وجوه متعددة. ولذا لا أصدق يا سادتي من يتحدث من نخبتنا عن الديمقراطية بل أضحك كلما سمعت العبارة التي يلوكها البعض حينما يريد البرهان علي صحة رأيه, لأننا أبعد ما نكون عن المعني شكلا ومضمونا. وشاشات العرض خير دليل علي كلامي بتراشق الألفاظ تارة وأكواب المياه المسكوبة علي الرؤوس تارة أخري والأحذية المتطايرة تارات. ليس هذا وحسب بل إن المطالبين بتجديد الخطاب الديني أنفسهم يسبون من رفض فكرهم ويشطح البعض منهم الي حد التطرف في إنكار الحقائق. وكذلك المتشبثون بالتراث من غير الراضين عنه بديلا إغلاقا لباب الفكر والاجتهاد, كلاهما يري في الاخر جاهلا متعنتا. بينما الواقع يؤكد ان كليهما يحتاج للغة الحوار والفهم وقبول الآخر. نعم نحن بحاجة ماسة لتجديد خطاب وتنقية تراث, ولكن لن يتم بهدم الأزهر. وكذلك نحتاج لأزهر متفتح العقل متجدد الدماء غير متشبث بميراث التراث كما هو دون مراجعة لظرف مكاني ولا زماني. كنت من أول المؤيدين لتطوير الخطاب الديني لحماية العقول من شطحات التكفير والإرهاب والتغييب والجهل. ولكن هل يتم ذلك عبر الشاشات بتسفيه كل ما سبق دون النظر لظروفه المكانية والزمانية التي انبثق عنها ذلك التراث؟ ثم هل العيب في شخوص سعت لفهم الدين بظروف عصرها ومستجداته وقضاياه؟ أم في شخوص امتنعت عن فعل ذات الفعل علي مر العصور رغم تغير الظروف عن جهل أو عن جبن؟ وهل من حق كائن ما كان عند نقد الحاضر الإساءة للماضي وتسفيه كل ما فيه وازدراء كل ما ينتمي له؟ وهل مجابهة الفكرة تأتي بمنعها وتهديد صاحبها وتقديم الدعاوي ضده لتذكرنا بدعاوي الحسبة التي جبل كل مشتاق لشهرة رفعها علي كل مخالف في الرأي؟ وهكذا مارس كل طرف في تلك القضية الإرهاب علي الآخر بتلقائية بلغها بالتعليم والثقافة والموروث. أضف إلي هذا بعض القوانين ورؤي بعض النواب الذين يرون منع الفكر بحد الرقابة دون إدراك أن الفكر لا يواجه إلا بالفكر والمنطق, فسجن الأفكار ينشرها. وضع بجانب ذلك ما تعلمناه في مدارس يأتي فيها الامتحان بأسئلة من عينة ضع علامة صح أمام الإجابة الصحيحة لنحتكر صحة الأمر في عبارة واحدة, في الوقت الذي يتعامل فيه العالم بمنطق الاجابات الصحيحة المتعددة. ليس هذا فحسب بل نمنح التلميذ كتاب مدرسا وكتابا خارجيا ومذكرات تختصر الاجابة وفقا لنموذج الوزارة ونموذجا تصحيح الامتحانات, ويا ويله يا سواد ليله من يفكر ويكتب بشكل مختلف عن النموذج. حتي سؤال المدرس عيب وقد يصل لحد الحرمانية! وهكذا ننشأ يا سادة في التعليم ونحن لا نملك حق التفكير خارج النموذج الوزاري. نعم نعيش مجتمعا يستخدم الجميع فيه كل صيغ الارهاب واحتكار الحقيقة علي بعضه البعض, بدءا من عبارة لا تجادل ولا تناقش يا أخي حتي لا تقع في المحظور هكذا نعلنها صراحة التفكير محظور , مرورا بعبارةانت مين عشان تنقد فكري انتهاء بإعلام من ليس معي فهو ضدي بعد أن بات المذيعون أصحاب منابر وأبواق. بالله عليكم...ماذا تريدون من مجتمع هو نتاج تلك الخلطة الإرهابية غير إنتاج دواعش علي كل لون يا باتستا في الفن والفكر والدين والسياسة والتربية ؟! وإذا كان أول الحل الاعتراف بالمشكلة...فاعترفوا بداعشيتكم يا سادة يرحمنا ويرحمكم الله. وتوقفوا عن ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة لأنها ببساطة...لله. وإن أردتم تجديد الفكر الديني فاعلموا أننا بحاجة لرؤية عالم وضمير فقيه. وللحديث بقية...