شهد مهرجان القاهرة السينمائي في عام2000 تجمعا كبيرا من النقاد والسينمائيين امتلأت بهم صالة العرض المخصصة للعروض النقاد والتي كانت في ذلك الوقت عبارة عن خيمة كبيرة أعدتها إدارة المهرجان لعروض الصحفيين. تجمع كبير لم تألفه عروض المهرجان إلا مع العروض الأولي للأفلام المصرية, ولكن تلك المرة لم نكن علي موعد مع أول عرض لفيلم مصري لقد كان فيلم دائرة للمخرج الإيراني جعفر بناهي والذي كان قد حصل علي جائزة الأسد الذهبي لمهرجان فينسيا في العام السابق بحضور المخرج وكانت دهشة الحاضرين كبيرة لروعة الفيلم وبناء السيناريو شديد الحرفية وموضوع الفيلم الفاضح لوضع المرأة في إيران, وأدرك الجميع أن هناك جيلا جيدا من السينمائيين الإيرانيين علي نفس مستوي عباس كيروستامي المخرج النابغة الذي عرف العالم بالسينما الإيرانية في نهضتها الحديثة قصة الفيلم بسيطة في أحداثها لكنها ذات مغزي في صياغتها وقوة في سرد أحداثها.. ومفادها أن سبعا من النسوة الإيرانيات خرقن القانون وخرجن عليه بطريقة ما فكان مصيرهن السجن.... ليفرج عنهن بعد ذلك ويختلطن بالمجتمع الإيراني مجددا وهنا يقوم المخرج( جعفر بناهي) بإبراز المرأة في عدة صور توضيحية تبين أنها تنتمي إلي طبقة دنيا في النسيج الاجتماعي.. رغم أنها نصف المجتمع وأم الرجال وصانعة الأجيال.. ومع أن جرائم النسوة التي كانت السبب في دخولهن السجن تبدو غامضة في معظمها وفقا لأحداث الفيلم إلا أن عقوبتها لم تقتصر علي الزج بهن في السجن لمدة محددة بل بدأت تلاحقهن وتلازمهن وتؤرقهن طيلة حياتهن بعد الإفراج عنهن.. فمثلا تضطر إحداهن.. بسبب افتقارها إلي ما يثبت شخصيتها.. إلي الكذب لمجرد أنها ترغب في شراء تذكرة سفر بالأتوبيس إلي خارج البلدة وأخري تضطر إلي الهروب من السجن يحدوها الأمل في نجاح محاولتها للقيام بإجهاض نفسها وعندما تعود إلي منزل أسرتها يتم طردها شر طردة وبكل عنف وقسوة وعلي النقيض من طريقة معاملة النساء بمهانة وازدراء يقوم مخرج الفيلم بإبراز مكانة الرجال وأدوارهم السطحية التي لا تخلو في معظمها رغم ذلك من مظاهر السلطة والتسلط وبينما يبدأ الفيلم بنافذة ذات فتحة مربعة لتظهر أحد العنابر بمستشفي الولادة حيث يرفض أهل زوج احدي السيدات ولادتها لفتاة بدلا من صبي.. نري الفيلم ينتهي بفتحة مشابهة كنافذة صغيرة لإحدي زنزانات السجن.. وبين البداية والنهاية تنساب احداث الفيلم في مسار يبدأ بالحياة وينتهي بالموت ولكن الذي لا ينتهي هو تلك الدائرة ذات المسار المغلق الظالم( كما يوحي عنوان الفيلم) حيث تدور النسوة في فلكها من داخل محيطها في معاناة وهم وفي تعاسة وغم. كان جعفر بنهاي في سن العاشرة عندما ألف أول كتاب له, وفاز بالجائزة الأدبية لتلك المسابقة لنفس العمر, بعدها أصبح علي دراية بصنع فيلم, وانطلق بالأفلام8 ملليمتر, وصار يشارك بالتمثيل في بعضها وبالمساعدة في الأخري, في فترة لاحقة مارس التصوير الفوتوغرافي خلال فترة خدمته العسكرية, شارك بنهاي في الحرب الإيرانية العراقية1980 1990 واخرج برنامجا ووثائقيا حول الحرب أثناء تلك الفترة بعد دراسة الإخراج في كلية السينما والتليفزيون في طهران, اخرج عدة أفلام للتليفزيون الإيراني, وكان المخرج المساعد لعباس كيروستامي في فيلم أشجار الزيتون عام1994 م, ومنذ ذلك الوقت وهو يخرج الأفلام. وجاء أول فيلم روائي له في عام1995 م بعنوان البالون الأبيض, ليحصل هذا الفيلم علي جائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان وكان فيلمه الثاني المرآة الحاصل علي جائزة النمر الذهبي في مهرجان لوكارنو السينمائي. ثم كان فيلم الدائرة الذي انتقد معاملة المرأة في ظل النظام الإسلامي لإيران والذي فاز بنهاي عنه بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا السينمائي وفي عام2003 اخرج الذهب القرمزي الذي منح جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان كان للأفلام. بعدها اخرج فيلم تسللOFFside ( قصة مجموعة من الفتيات يتخفين تحت ملابس رجالية حتي يتمكن من مشاهدة مباراة لكرة القدم) ليعرض في مهرجان الفيلم في برلين2006 ويحصل علي الدب الفضي. فيلم بنهاي الأخير تسلل ممنوع من العرض في إيران حتي الآن رغم انه تم تصويره خلال المباراة بين إيران والبحرين المؤهلة لنهائيات كأس العالم2006. يختلف بنهاي عن زملائه مخرجي الواقع في صراحته في تقريره النقد الاجتماعي حيث تسعي أفلامه لتحديد المواضيع الإنسانية, عبر طريق التعامل مع مشاكل المرأة في إيران الحديثة, وثانيا, من خلال تصوير الواقع الاجتماعي للمجتمع الايراني وتهتم بالمشاهد وتحكم قبضتها علي الحواس, بنهاي يستدعي الإنسانية بغير عاطفة وبطريقة واقعية بشكل كبير دون أن يؤدي ذلك بالضرورة إلي إظهار رسائل سياسية, وأن هذا يعطي جمالية فريدة للسينما الإيرانية. هذا المخرج الذي يجب أن تفخر به أي دولة ينتمي إليها تم القبض عليه مؤخرا من قبل السلطات الايرانية دون أن يرتكب أي جرم سوي تأييده لمرشح المعارضة في الانتخابات الأخيرة بالرغم من أن السلطات الإيرانية أعلنت أن القبض علي جعفر بناهي وأسرته لا علاقة له بمواقفه السياسية ولا بالسينما التي يصنعها إلا أنها لم توضح الأسباب الفعلية التي تم القبض عليه بسببها إن الواقع الإيراني أصبح شديد القسوة علي المبدعين الذين يختلفون مع التوجهات القمعية لنظام الاستبداد الديني وإني أدعو جميع السينمائيين الحقيقيين بعيدا عن نقيبهم موظف التليفزيون لإصدار بيان إدانة للقبض علي جعفرفإن الدفاع عنه هو الدعم التعبير في السينما في العالم أجمع ودعم للمبدع في مواجهة قمع السلطة.