تدهشك الشارقة, بل وتستحوذ علي عقلك وقلبك بجمال وروعة مبانيها ذات الطرز الإسلامية المتنوعة, وفي رحاب تجربتها الفريدة يلمس المتابع ويستشعر بكل مسامه أنه في تجليات هذا الحضور الثقافي والفني المتقد, حين يكون حقيقة ماثلة, وكأنه يقرأ رواية أو مسرحية مكتوبة بلغة عربية صافية, هي إبداع حقيق بجوهر مجتمعي. إذ إنه يتماس وعمق ما تم اختزانه في أخاديد الوعي. الذي عتقته ظروف تاريخية وسياسية علي مر العصور. ولئن كان المجال هنا لا يتسع لطرح قضية الفن والمجتمع, بما تستحق, إلا أن المتأمل للحال سيجد أن جل من يكتبون, يفكرون ويشعرون ويعيشون حيواتهم وقصصهم, وما إلي غير ذلك من صنوف العمل والإنتاج,باللغة والأسلوب والطريقة التي بها يحيون ويحلمون, ولن نذهب بعيدا, فإنني ككاتب لهذه السطور, استقبلت هذه الشحنة المعنوية من فعاليات الشارقة الفنية والثقافية كما يحدث مع غيرها من أعمال وفعاليات, بما فيها الذي تقيمه القاهرة, بأحاسيس ومشاعر ثقافتي ولغتي التي بها أعيش وأفكر وأشعر. فالشارقة,كما أراها, ليست مجرد إمارة أو مدينة, فهي وإن كانت في وجودها الجغرافي أو تجلياتها العمرانية والإنسانية, تماثل الكثير من المدن في شتي ربوع دولة الإمارات العربية المتحدة, فيما تقيمه من مهرجانات واحتفاليات, لكن أبرز ما يميز أهل الشارقة يتجلي صراحة في أن هذا الحضور والتفاعل الإنساني. يعيد تشكيل الواقع من جديد, ولئن كان الظاهر من حضورهم العام, بطبيعة الحال, سردا لماضيهم وتراثهم, وخاصة التراث الذي شكل ملامحهم وهويتهم, إلا أنهم يؤسسون ويصنعون منه حلما جديدا للمستقبل الذي ينشدونه ويتطلعون له. خلال الشهور الماضية أتيحت لي فرصة زيارة الشارقة بدعوة كريمة من دائرة الثقافة والإعلام, فسعدت بحضور فعاليات مهرجان الخط الدولي. وزاد من سعادتي لقاء نخبة متميزة من الأصدقاء والفنانين والباحثين من مختلف دول العالم. كان المشهد بديعا وجذابا, لدرجة أنه جعلني أقفز فرحا.. وأقول يا الله.. هل يوجد مثل هؤلاء الرجال والنساء ذوي الفطنة والذكاء والبهاء؟ الذين يمتلكون ذوقا رفيعا وثقافة قادرة علي إسعاد العقل والروح بهذا المستوي الراقي من النظام والتنظيم والفعالية والأداء. ولعل هذا بالضبط ما يدفعني دفعا إلي البحث عن فكرة جديدة أكتبها.. فهل أكتب عن مهرجان الفنون الإسلامية في عامه التاسع عشر, أم أكتب عن صاحب هذه الدعوة الكريمة لزيارة الشارقة, أم عما رأيته وأدهشني من معالم نهضة ثقافية وفنية وعلمية مزدهرة, تنتشر في كل شبر من أرض هذه الإمارة العربية الأصيلة, نهضة حقيقة وضع أسسها ويرعاها رجل حكيم, ولا يزال يمنحها قبسا من نور عقله وفيض روحه الوثابة الطيبة. القراء الأعزاء.. لا أخفيكم سرا أنني أفضل الحديث عن صناعة الثقافة في الشارقة.. والتي أري أن عمادها وجوهرها وهدفها الرئيسي هو الإنسان, وفي هذا الجانب يمكنك أن تري وتشاهد العديد من النتائج الملموسة والواضحة, ممثلة في مئات المنشآت التعليمية والعلمية من جامعات ومتاحف ومسارح تستقطب العلماء والباحثين والفنانين من مختلف بقاع الأرض. فتختمر دروسهم ورؤاهم في عقول ونفوس شباب وفتيات الإمارة, الذين يتعلمون ويبدعون وينتجون بل ويقدمون إسهاما لا يقل فهما ولا إبداعا عما يدرسونه في الجامعات, ويشاهدونه في معارض الكتب ومتاحف الفن والتراث, فتدرك أن كل هذا ما كان له أن يكون لولا نظرة واعية وبصيرة نافذة ورعاية مستمرة من صاحب السمو الشيخ سلطان القاسمي. ومهرجان الفنون الإسلامية الذي يستضيف64 فنانا من مختلف دول العالم,مثال واحد علي ذلك, يفسح المجال أمام ذاكرة الأبناء ليروا ثمرة ناضجة من ثمار الحضارة العربية الإسلامية, ويشاهدوا واحدة من أبرز منجزاتها الحسية والبصرية, بمجرد أن تلقي نظرة واحدة علي جدران وأسقف المساجد والقباب الإسلامية في مختلف عصور نهضتها, سوف تجد ذهنك, إن حلمت وسرحت فيها, يدور في فلك كلمات ثلاث لا أكثر وهي.. أن تبصر ثم تعي فتضيء...فالبصر من البصيرة التي تدخلك تجربة وجدانية ذاتية, تنقلك إذا شاءت( أو شئت) إلي عالم الوعي. وعندها تصبح قادرا علي المشاهدة بكل معانيها ودلالاتها العقلية, بدورها سوف تقودك, كلما أمعنت البصر, زاد وعيك فتتجلي. إلي رحاب الكشف أو الإضاءة بمتون الفن الإسلامي بمعناها الرمزي والإيماني الكلي. ولكن ماذا عن أوجه المقارنة مع الفنون الأخري؟ شهدت المجتمعات الأخري يقينا ثورات فنية عظيمة سواء في مجالات الرسم أو التصوير. ولكن هذه الفنون علي روعتها لم تسفر عن نتائج عميقة الأثر شأن النتائج التي أفضت إلي ميلاد الفنون الإسلامية في تاريخ العالم, والتي تحولت خلال فترة قصيرة نسبيا إلي ثقافة عالمية, ولنأخذ حالة إسبانيا مثالا, مع رفضنا للتفسيرات التبسيطية المخلة التي تحدثنا عن ركود الفنون قبل دخول الإسلام كفرض أساسي. ويقترن اسم الشارقة في ميادين الفكر والمعرفة, باسم حاكمها وراعيها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلي حاكم الشارقة, الذي كرس حياته وجهوده لإغناء الحياة الثقافية والمعرفية, فهي من ناحية الجغرافيا تعتبر ثالث أكبر إمارة في دولة الإمارات العربية المتحدة, وهي الإمارة الوحيدة التي تمتاز بشواطئ علي جانبيها من جهة ساحل الخليج العربي وخليج عمان. فضلا عن أنها مثال للتناغم والتمازج الاجتماعي والثقافي. تمتاز بأجوائها التراثية, ومعالمها التاريخية التي تعتبر شاهدا علي نهضتها وعراقتها علي مر العصور. كما نالت عام1998 لقب عاصمة الثقافة العربية من قبل اليونسكو. كما نالت هذا العام لقب عاصمة الثقافة الإسلامية.2014