لخص رسول الله صلي الله عليه وسلم الحياة كلها في حكمة رائعة, وكلمات جامعة أوجزها في ثلاث جمل هي: عش ما شئت فإنك ميت, وأحبب من شئت فإنك مفارق, واعمل ما شئت فإنك مجزي به. ونحن اليوم بصدد الجملة الأولي من هذا الحديث الجامع, مهما علا منصبك أو زاد جاهك أو كثر مالك أو أصبحت مليونيرا أو كان لك من أتباع وجنود وخدم وحشم فإن القبر هو مستقر رحلتك الأخيرة, يستوي في ذلك الناس جميعا وعلي رأسهم الأنبياء الكرام عليهم السلام الذين تخيرهم الملائكة قبل قبض أرواحهم, فلا يقبضها ملك الموت إلا بعد موافقتهم كرما من الله وجودا علي أنبيائه, ولما خير محمد صلي الله عليه وسلم اختار الرفيق الأعلي وأشار إلي السماء. وكل الحكماء والعلماء كانت لهم وصايا جامعة قبل الموت, فهذا مولانا جلال الدين الرومي شاعر المتصوفة العظيم كتب إحدي حكمه الشعرية التي وردت في ديوانه المثنوي علي شاهد قبره إذا فاتك أن تكون محبوبا فلا يفتك أن تكون محبا. أما شاعر ألمانيا العظيم جوته فقد كتب علي قبره لقد عبدت الله الواحد الأحد وهو شطر من إحدي قصائده الشهيرة بالديوان الشرقي. أما الشيخ محمد الغزالي الداعية العظيم فقد توفي بمدينة الرياض بالسعودية أثناء إلقاء محاضرته عن الإسلام والغرب فوجدوا وصيته ضمن أوراقه الشخصية ب أن يدفن في مقابر البقيع فدفن بين قبر مالك بن أنس فقيه ومحدث المدينة العظيم وبين إبراهيم ابن رسول الله, وكأن خاتمته ترد علي كل من أساء إليه وطعن فيه بإنكار السنة النبوية أو تجاوزها. أما الشاعر الفارسي العظيم سعدي الشيرازي فقد كتب علي قبره كن كريما ولا تلوي وجهك عمن يبتهلون إليك. أما شاعر الهند العظيم طاغور الذي ملأ الحب قلبه ولم تعرف الكراهية طريقا إليه, فقد أوصي بكتابة قصيدته علي قبره. رباه يا ملك السماوات لقد أفعمت قلبي بحبك وتجليت لي بقربك رباه لو لم أكن موجودا فأين يتجلي حبك؟ أما أمير الشعراء أحمد شوقي فقد كتب أحد أبيات قصائده علي قبره في مدح الرسول: يا أحمد الخير لي جاه بتسميتي وكيف لا يتسامي بالرسول سمي أما الصحفي الكبير مصطفي أمين فقد كانت وصيته الأخيرة الاهتمام بأيتام ليلة القدر ومؤسسة ليلة القدر هي من أعظم حسناته فهي تستقبل اليتيم من عمر يوم وحتي يتخرج من الجامعة وتكفله كفالة تامة. أما وصية الشاعر القروي أشهر شعراء لبنان وهو مسيحي أن يصلي علي جثمانه شيخ وكاهن وأن تتلي الفاتحة علي قبره. أما الداعية العظيم أبو الفرج الجوزي الذي تاب علي يديه أكثر من مليون إنسان وأسلم علي يديه مائتا ملحد فقد أوصي أن يكتب علي قبره: يا كثير العفو عمن كثر الذنب لديه جاءك المذنب يرجو الصفح عن جرم يديه أنا ضيف وجزاء الضيف إحسان إليه اللهم إنا ضيوف علي دنياك وعلي الآخرة فأحسن إلي أضيافك, فكلنا عيوب وقصور فاستر عيوب ضيوفك يا أكرم الأكرمين.