الأزمة الحالية التى يواجهها الاقتصاد المصرى والمتمثلة فى الارتفاع المتتالى لسعر الدولار بالسوق الموازية تستدعى تدخلا سريعا من الحكومة منعا لخروج المشكلة عن نطاق السيطرة. أسباب ارتفاع سعر الدولار وملامستها حاجز الجنيهات التسعة بالسوق الموازية ليست مجهولة أو غائبة عن المسئولين ولكن استمرار التعامل مع هذه الأزمة بالطريقة الحالية هو أمر خطير وغير مبرر، أعلم أن هناك آراء تطالب بضرورة تخفيض قيمة الجنيه ليعكس السعر قيمته الحقيقية وهناك آراء أخرى تطالب بعدم الاقتراب من هذه الخطوة محذرة من موجة تضخمية كبيرة سوف تنتاب الأسواق فى حالة حدوثها برغم أن الواقع يؤكد وجود هذه الموجة بسبب استغلال المستوردين والتجار للمشكلة ورفع الأسعار بدرجات تفوق تكلفة حصولهم على الدولار عن طريق السوق السوداء. بعيدا عن الانحياز لأى من الاتجاهين فإن الأمر المهم هو أن تمتلك الحكومة رؤية محددة المعالم والتوقيتات للتعامل مع المشكلة فهذه ليست المرة الأولى لحدوثها. المفارقات الغريبة فيما يحدث حاليا أن الحكومة تدرك الأسباب ومنها ما هو خارج عن إرادتها مثل انهيار السياحة الوافدة إلى الداخل إلا أن هناك أسبابا يمكن للحكومة التعامل معها لمواجهة ما يحدث وهنا فإننى اذكر الخلل الرهيب فى الميزان التجارى وشطط الواردات لتتجاوز 60 مليار دولار العام المالى الماضى مقابل صادرات لم تتجاوز 22 مليار دولار والشيء الغريب فى هذا الخلل أن هيكل الواردات ببنوده الاستفزازية لا يتناسب بأى شكل مع اقتصاد دولة أصابه الإنهاك والإعياء على مدى السنوات الخمس الماضية. كان يمكن قبول زيادة بفاتورة الواردات إذا كانت تعكس قيمة مستلزمات إنتاج أو منتجات تحت التصنيع لأنه فى هذه الحالة سوف تنتعش الأسواق وتزداد أيضا قيمة الصادرات لينخفض العجز التجارى بالتبعية. من المفارقات أيضا أن قيام البنك المركزى خلال الشهور الماضية بتخفيض سعر صرف الجنيه لم يقابله أى زيادة ولو قليلة فى الصادرات عكس ما تؤكده كل النظريات الاقتصادية. تعلم الحكومة أن تحويلات المصريين فى الخارج فارقت بنسبة كبيرة مسارات الجهاز المصرفى وأصبحت تذهب إلى حسابات مجموعات من رجال الأعمال أو تجارة العملة وكذلك عدد ليس قليلا من أصحاب شركات الصرافة. تحميل البنك المركزى مسئولية ما يحدث هو تبسيط وتسطيح للمشكلة فالبنوك المركزية لا تولد الدولارات ولكنها مسئولة تماما عن السياسة النقدية، نعم هناك بعض القرارات التى يجب على البنك المركزى اتخاذها لتحفيز مرور تحويلات العاملين بالخارج عبر الجهاز المصرفى وإدخال شركات الصرافة ضمن منظومة التداول الخاضع فعليا لرقابة الدولة ولكن هذه القرارات فى حقيقتها بمثابة إجراءات قصيرة الأجل لأن موطن الداء يكمن فى الضرورة الحتمية لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وهنا لا أعرف كيف تقبل الحكومة الاستسلام لمقاومة المستفيدين من عدم تطبيق نظام الشباك الواحد وتبسيط إجراءات الاستثمار، كما يجب البدء فورا فى إقالة المصانع المتعثرة والوصول لأسباب الانهيار الواضح فى الصادرات المصرية مع إسراع الخطى لإنعاش حركة السياحة الوافدة. ليس عيبا أن نعترف بالأزمة ونوضح أسبابها ولكن العيب كله أن نتعامل معها بمسكنات أو نغض الطرف عنها ونحمل المواطن البسيط نتائج عدم القدرة على ضبط الأسعار وتركها سداح مداح تحت لافتة باطلة اسمها حرية الأسواق ولا أعرف بأى منطق يمكن قبول ارتفاعات غير مبررة فى أسعار سلع ومنتجات محلية المنشأ والتصنيع وسكون مشين لأجهزة مسئوليتها بالأساس ضبط الأسواق ومواجهة جشع بعض التجار. مواجهة أزمة الدولار ضرورة حتمية لأن استمرارها يعنى ضياع كل ما يبذل من جهد لنهضة مصر الحبيبة.