عندما تحدث ديفيد كاميرون لأعضاء البرلمان في محاولة لإقناعهم بضرورة البقاء في الاتحاد الأوروبي, كان خطابه يقطر كراهية للاتحاد الأوروبي أكثر مما يعبر عن حب في هذا الكيان; وتلك ليست مسألة تميز كاميرون أو الجيل الحالي من السياسيين البريطانيين, ولكنها تعود الي بداية تكوين السوق الأوروبية في الخمسينيات من القرن الماضي, واستمرت طوال تاريخ الجزر البريطانية مع القارة الأم. فمنذ بداية تكوين السوق الأوروبية في الخمسينيات من القرن الماضي, غابت بريطانيا عن كل المفاوضات, ولكنها طرحت رغبتها في الانضمام الي السوق الجديدة في عام1961, بعد أن شهدت التطور الذي تتمتع به الدول الست التي شكلت السوق الاوروبية في ذلك الوقت. فكان طلب بريطانيا خليطا من الغيرة من التقدم الاقتصادي الذي تتمتع به الدول الست الأوروبية, ومن الرغبة في ألا تنعزل بريطانيا عن الأحداث السياسية والاقتصادية الأوروبية. وفي نفس الوقت أرادت بريطانيا الحفاظ علي مكانتها كحلقة وصل بين القارة الأوروبية والعالم الجديد عبر الاطلنطي, فقد كانت بريطانيا دوما تنظر في اتجاه الولاياتالمتحدةالامريكية وتعتبرها امتدادا لها, ولم تكن تعتبر نفسها امتدادا للقارة الأوروبية. كما أن بريطانيا لن تقبل أبدا الاندماج بالكامل في السوق, وسوف تحاول دوما الحفاظ علي سيادتها في المجالات الاقتصادية والسياسية والحفاظ علي استقلالية قراراتها فيما يخص مصالحها الشخصية. لهذا السبب كان الرئيس الفرنسي آنذاك, شارل ديجول, يرفض طلبات بريطانيا بالانضمام الي السوق الأوروبية, واعتبرها بمثابة حصان طروادة الذي يحمل بداخله الولاياتالمتحدة; وأعرب عن مخاوفه من أن دخول بريطانيا السوق الأوروبية يعني دخول الولاياتالمتحدة أيضا, بل وهيمنتها عليهم. وبالرغم من أن بريطانيا قدمت طلبها للانضمام الي السوق الأوروبية في عام1961, إلا إنه لم يتح لها الانضمام إلا في عام1973 بعد ثلاث محاولات من بريطانيا للانضمام, ولكن لم يتح لها ذلك إلا بعد تنحي ديجول عن السلطة وتولي جورج بومبيدو من بعده. ولكن منذ ذلك الوقت وحتي اليوم لم تندمج بريطانيا بالكامل في السوق ثم بعد ذلك, عندما تحول الي الاتحاد الاوروبي, وتوسع ليضم معظم دول أوروبا الغربية وبعدها دول أوروبا الشرقية بعد سقوط النظام الشيوعي فيها مع بداية التسعينيات; فقد ظلت مخلصة لمواقفها الأولية وهي التوجه الي الولاياتالمتحدة والحفاظ علي سيادتها. وذلك ما يفسر رفض بريطانيا الانضمام الي اليورو, فاحتفظت بعملتها, أو الي نظام الجينشين وفتح الحدود أمام حرية الانتقال والعمل. ولكن بريطانيا تظل متمسكة بعضويتها في الاتحاد الاوروبي, لأنها لا تريد عزلتها عن أمور القارة الأوروبية, وترغب في أن تظل تملك الحق في المشاركة في عمليات اتخاذ القرارات داخل الاتحاد, وتتمتع بكل المميزات ولكنها لا تريد أيا من المعوقات او الحدود. وكان خطاب كاميرون أمام البرلمان البريطاني يعكس هذا الموقف. فقد كان يدافع عن الاستمرار في عضوية الاتحاد الاوروبي, ولاقناعهم بموقفه أكد أن بريطانيا لن تقبل أي قرارات تحد من سيادتها, فهي لن تقبل الانضمام الي اليورو ولا الي الجنشن ولا حرية التنقل; أي أنه سوف يتمتع بكل مميزات الزواج بدون المعاناة من أي من حدودها أو مسئولياتها. هل ذلك سيكفي لإقناع الناخب البريطاني بضرورة البقاء في الاتحاد؟ أو بقاء كاميرون في السلطة؟