تتحاور القلوب و الأعين صمتا وتظل ترانيم المشاعر و همسات الجمال وحداثة البهجة أكثر صمتا, فقط أنامل وقلوب المبدعين تغزل أثواب الحكي والسلام والجمال و كأن العالم أصيل النشوة والبراءة. الفنانة إيناس عبد الدايم أقامت حوارا موسيقيا مع الإيطالي فيديريكو مونديليتشي عازف الساكسفون مع أوركسترا القاهرة السيمفوني بالتعاون مع المركز الثقافي الإيطالي بقياده المايسرو الشاب محمد سعد باشا و ثلاثي الجاز محمد صالح بيانو شريف عليان كونترباص هشام كامل بركشن, في أحد أروع الليالي الموسيقية بدار الأوبرا المصرية حيث قدمت إيناس متتالية الفلوت وثلاثي البيانو الجاز لكلود بولينج المؤلف الفرنسي و عازف البيانو الذي تعود شهرته العالمية إلي موسيقاه السينمائية لأكثر من مائة عمل. وفي ومضة من أجمل ومضاتها الإبداعية لعبت ايناس المتتالية بأداء ساحر يثير أجنحة الخيال ويمتع المتلقي بوهج طاقة إبداعية تتفرد بالقدرة علي التماهي حسيا وإبداعيا مع الأجواء الشعورية والفكرية للعمل الموسيقي, تبدأ الموسيقي بمزج ناعم بين كل من موسيقي الجاز وموسيقي الباروك الأوروبية التي تعود الي القرن السابع عشر وموسيقي البلوز تليها أمواج آلة البيانو ممهدة لدخول آلة الفلوت بأنغامها المنسابة الرقيقة في الحركة الثانية ممثلة للطابع الكلاسيكي أما الحركة الثالثة فيظهر بها الأسلوبان معا في شكل أقسام متباينة مصفوفة بجوار بعضها البعض وتختتم المتتالية بالحركة الأخيرة النشيطة والتي تمثل كودا ختاميا تظهر مهارات وجماليات آلة الفلوت وقدراتها التعبيرية. يأخذنا أوركسترا القاهرة السيمفوني في رحلة من مختارات من أشهر أعمال الموسيقي اللاتينية والجاز ومنها معزوفة بورجي و بس وقت الصيف بلوز لجيرشوين, أنت والليل والموسيقي ل ارثرشوارتز, ليل ونهار ل بورتر, رجل النهر ل جيرموكيرن, الليلة ل برنستين, إحساس شاعري ل الينجتون, منتصف الليل ل مونك, لا بوسيا مورونجالا ميلونجا ل جيروتو, سامبا برازيلية ل ميلهود, تانجو حر ل بياتسولا ويعزف الإيطالي فيديريكومونديليتشي بمصاحبة الأوركسترا السيمفوني والذي يعد واحدا من أهم عازفي الساكسفون الذين ظهروا في العشرين سنة الماضية ومثل إيطاليا في العديد من المحافل الساكسفون الدولية يصاحب فيديريكو العزف مع إيناس عبد الدايم في حالة متفردة وتناغم غاية في الرقة والإبداع وتآلف منساب حر يؤكد حالة توحد حسي في قمة الحالة الإبداعية الموسيقية التي بدورها تنسج خيوطها علي الطاقة الشعورية للمتلقي ليتوحد بدوره تحت وطأة سيطرة وهج من الطاقة الإبداعية ليصبح في تصاعد حسي وتفاعل لنجده أصبح جزءا من النغم والإيقاع السائد بين أحضان القاعة ويصاحب الجمهور إيقاع الموسيقي بحالة رقراقة من التصفيق بإيقاع يحاكي الأنغام والإيقاعات التي تكمن في روح المعزوفة ليسمو به إلي حالة من النيرفانا الموسيقية. إنه صدق فني مخلص بين قمتين موسيقيين بموهبة نادرة وأداء بتمكن مادي وحسي يشكل معراجا روحيا للناسكين في قدس أقداس الموسيقي إنها غاية لا يدركها إلا قليل من المبدعين فإن كان للشعر والفنون واد للشياطين فالموسيقي بهذا القدر من الصوفية الشعورية والذوبان داخل فلسفة العمل تعد قمة من قمم التسامي بالروح حتي الوصول للحلم والتطهر, إن هذا الإبداع المفعم بالصدق والتفرد الفني الشفاف الذي أمتعتنا به أنامل ومشاعر فراشة الفلوت إيناس عبد الدايم بمصاحبة الإيطالي فثيديريكو مونديليتشي لابد أن هذا الجمال والصدق الفني يمثل أحد جنود الجمال والنقاء في الكون في ظل عالم يرفع رايات الزيفو تدوس جياده أغصان الزيتون.