الضجة الكبيرة التي أثارتها تصريحات وزير العدل السابق حول عدم منطقية التحاق أبناء عمال النظافة بالسلك القضائي تشير إلي حالة من الخصام بين طبقات المجتمع المصري, فلا وزير العدل كان مراعيا لما يجب أن يصرح به, ولا تطرق المعترضون إلي ما يجب البناء عليه لعلاج هذا الخلل الذي استشري بجسد المجتمع المصري يلتهم كل ما هو جيد ويهييء البيئة لكل ما هو مرفوض, حتي أصبح الكثيرون منا لا يستطيعون التفرقة بين الخطأ والصواب. نعم خطأ الوزير جسيم ويتعارض مع نصوص الدستور, ويعيد إلي الأذهان قصة الشاب الذي انتحر قبل ثورة يناير بسبب رفض التحاقه بالسلك الدبلوماسي لأن والده رجل بسيط, وأن سبب الرفض الذي ذكرته وزارة الخارجية وقتها انه غير لائق اجتماعيا. هذه الأحداث ومثلها كثير سوف تستمر في التكرار طالما أننا نتعامل معها بانفعالية وبدون الإصرار علي إصلاح الأسباب التي تؤدي إليها. توقعت أن يخرج علينا رئيس الوزراء معتذرا للشعب المصري عن تصريحات الوزير وأن يتقدم الوزير نفسه باستقالته أو تتم إقالته ولكن لاينبغي أن ننسي المشكلة إلي أن تحدث مرة أخري. جوهر القضية أننا ننكر علي غيرنا ما نقوم نحن أنفسنا بفعله, ففي معظم الشركات والمؤسسات بمختلف قطاعات الدولة تعطي الأولوية دائما لأبناء العاملين ويثور أعضاء النقابات العمالية إذا لم تتم الاستجابة لتعيين أبناء العاملين, وهكذا توارت معايير الاختيار وفقا للكفاءة عند شغل أي وظيفة وأصبح توريث الأبناء في أماكن العمل منهجا وطريقا لكل مسئول في موقعه. خطأ وزير العدل انه صرح بما يجري فعلا في الخفاء ونعلمه جميعا, وأعتقد أن منبع الثورة عليه يعود إلي بوحه بما لا يجب البوح به وليس إلا أنه كشف اللثام غير متعمد عن واقع مرير يكابده البسطاء علي أرض المحروسة. الاستقالة لن تحل المعضلة وأري أنها تسطيح لقضية جوهرية تتمثل في غياب المقاييس الواضحة والشفافة في كثير من مناحي مجتمع الأعمال المصري. هل يستطيع أي مسئول بالحكومة أن يخرج إلي المواطنين ليعلن مقاييس المفاضلة والاختيار لشغل منصب الوزير أو المحافظ أو رئيس مجلس المدينة أو مدير المستشفي وغير ذلك. إذا خرج علينا رئيس الوزراء ليعلن ذلك وقتها يمكن أن نعرف لماذا لا يتم قبول الأكفاء بالوظائف التي يستحقونها, ووقتها أيضا يمكن لكل منا أن يشجع أبناءه علي التفوق والتميز في مشوارهم التعليمي ليلتحقوا بالوظائف التي ينظر معظمنا إليها حاليا علي أنها من المناطق المحرمة علي أبناء البسطاء. دعونا نجعل مما حدث نقطة للبناء عليها وإعادة الشفافية والعدالة لتسود مصر التي نتمناها; دعونا نطالب الحكومة بسن تشريع يتيح قواعد وأسسا عادلة تحكم عمليات التوظيف والتشغيل وتوجب لمن يستبعد من شغل أي وظيفة أن يعرف لماذا تم الاستبعاد وترفع أي ظلم وقع عليه فليس الجميع فاسدين. هناك دائما من ينتصر إلي الحق ويجتهد في رفع الظلم عمن ظلم, هناك دائما أمل وضوء في نفق قد نراه مظلما, هناك وطن يحتاج منا جميعا العمل ورفض التمييز والاحتكام إلي قواعد عادلة في كل أمور حياتنا. أعتقد أن علاج ما حدث وهو مسئولية الحكومة أن ندشن مشروعا للإصلاح المجتمعي, لأن بناء البشر هو الأهم والأجدي, ودعونا نتذكر مقولة الرجل الفارسي الذي قال عندما وجد عمر بن الخطاب نائما تحت شجرة حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر وكذلك عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين عندما طلب منه أحد الولاة أموالا ليبني سورا ليحمي عاصمة الولاية فقال له أمن أسوارها بالعدل ونق طرقها من الظلم [email protected]