تراقب بعيون ثاقبة كل ما يدور حولها.. نظراتها حادة كاشفة وجهها علي غير عادة مثيلاتها اللاتي اتيح لنا لقائهن داخل فناء سجن النسا بالقناطر الخيرية خشية أن يوجه لهن أحدا من زائري المكان سؤالا عن الجريمة التي أودعتهن خلف القضبان وعن مدي ندمهن علي الجرم الذي ارتكبه من عدمه.. تحتضن طفلا صغيرا لم يتجاوز عمره أشهر غارقا في النعاس تتقدم الصفوف الأولي مبدية الترحيب بالحكي بمجرد السؤال عن الجريمة التي أودعت بسببها السجن.. إنها شيماء بنت الأربع والعشرين سنة ذات الملامح الطفولية التي قد تخدعك للوهلة الأولي.. تمرست علي التمرد منذ صغرها وأصرت علي الزواج علي غير رغبة والدها وهربت من منزل أسرتها بشبرا الخيمة للعيش في محطتها الأخيرة قرية نوي بشبين القناطر التي كتبت نهايتها بها وارتكبت جريمتها التي أودعتها السجن.. السطور التالية تروي حكاية امرأة لم يتعد تعليمها المرحلة الإعدادية استقر بها المقام داخل عنبر عشر بسجن النسا لا تتخيل قبل التحدث معها أنها متهمة في جريمة قتل.. وقد تصدمك للمرة الثانية عندما تعلم بقتلها طفلة لم يتجاوز عمرها الثلاث سنوات لسرقة قرطها الذهبي.. حياتي مليئة بالمشاكل.. احببت أحد جيراني يعمل بمهنة الجزارة كان يكبرني بست سنوات هكذا بدأت شيماء حكايتها وكيف بدأ ينفرط عقد حياتها الطبيعية داخل منزل والدها.. كانت لا تتوقف عن الحكي عن نفسها وتضم صغيرها المريض.. ليذيق الله والدته العذاب والمرارة في حياتها جزاء مافعلت أم ماذا؟!قائلة: تقدم الشخص الذي تعرفت عليه وأحبني يطلب يدي من والدي ولكن أبوي رفض زواجي منه معللا ذلك برغبته في أنه يريد أن يزوجني وشقيقتي الصغري من شخص ذي مكانة مرموقة ليضمن لنا حياة سعيدة بعد ذلك.. تصمت شيماء لفترة وتضع ثغرها علي خد صغيرها كأنها تري أمام عينيها ما حل بها من عقاب وما آلت إليه حياتها كأنه مقابل علي عدم طاعة والدها والانصياع لأوامره وتقول: صممت علي الزواج ممن احببت وتقدم ثانية لوالدي ولكن دون جدوي فرفض والدي الزواج كان نهائيا يستحيل معه إثناؤه عن قراره.. وهنا تحولت حياتي وعمري حينها 17 سنة إلي جحيم وقررنا معا الزواج دون علم والدي والهروب لمكان نعيش فيه بعيدا عنه وكانت الغلطة الأولي وسبب كل المصايب بعد كده وبالفعل استأجر زوجي شقة إيجار جديد بحي شبرا الخيمة حيث العشوائيات الكثيرة التي تستطيع أن تختفي بداخلها بعيدا عن أعين من يعرفك أو يراقبك ويتتبع خطاك.. تستطرد شيماء حكايتها دون تغير في نبرة صوتها الحادة قائلة: قضينا بداية حياتنا في عش الزوجية وكان زوجي يذهب في الصباح ثم يعود في أخر الليل منهكا من محل الجزارة الذي يعمل به لأكثر من13 ساعة يوميا.. وكانت حياتنا تسير علي ما يرام حتي بدأ أهل زوجي افتعال المشاكل معنا وتكررت الخلافات معهم حتي ضاق زوجي من المشاكل وأصيب بمرض ضيق في الصمام الذي أفقده القدرة علي بذل مجهود كبير وفضل ترك الشقة والانتقال لمنطقة أخري نبدأ فيها من جديد بعد ان رزقنا الله بأصالة وفؤاد.. تنهدت شيماء والتقطت أنفاسها من جديد حاضنة صغيرها الذي مازال غارقا في سباته العميق كأنه يرفض رؤية ما يدور حوله من أحداث أو إدراك نظرات الشفقة أو الرفض التي تلاحقهما من الحاضرين قائلة: بحثنا أنا وزوجي عن مكان ننتقل إلية حتي استقر بنا الترحال في قرية نوي بشبين القناطر واستأجرنا شقة بالطابق الثالث.. تصمت السيدة لبرهة وكأن عينيها تنطق بكلمات الحسرة يا رتنا ما رحنا هناك ولا شفنا المكان ده خالص وتواصل حديثها: قضينا في الشقة شهرا واحدا فقط كان زوجي يذهب لعمله وأنتظره في الشقة بعد قضاء متطلبات المنزل من السوق.. ثلاثون يوما قضينها علي هذا الحال ولكن المشاكل كأنها لا تعلم في الدنيا أشخاصا غيرنا فقد وجدنا جارنا الذي يسكن بشقة في الطابق الثاني يراقبني في كل تحركاتي ويغازلني.. وبعد أن سئمت منه أخبرت زوجي بأفعاله وقام بالتشاجر معه لأكثر من مرة.. وتتذكر شيماء الواقعة في أحد الأيام قائلة كان دائما جاري ذو الأربع وأربعين سنة يقول لي إنتي زوجك سيبك علي راحتك لتمشي بمزاجك كل ده كان لأن زوجي كان يذهب للعمل وأنا أقوم بقضاء متطلبات البيت بواسطة التوك توك حيث كنت اتصل بالسائق بواسطة التليفون الذي كان يقلني لقضاء احتياجاتي ويعيدني للمنزل مرة أخري.. وتضيف شيماء كان زوجي يأتي من عمله منهكا في حين كنت أنا أقضي ساعات الليل متيقظة أشاهد الأفلام والمسلسلات ولا أخلد للنوم إلا في الصباح بعد أن يذهب زوجي للعمل.. وعن يوم الجريمة تقول شيماء اختفت بنت الجيران وتدعي ملك من الظهر وظل أهلها يبحثون عنها في كل مكان وقاموا بإبلاغ الشرطة ليبحثوا عنها وكنت أنا بدور عليها معهم وعدت لمنزلي قبل رجوع زوجي وفي تلك الليلة كنت أشاهد التليفزيون وسمعت صوت حركة غريبة علي السلم- قرب الفجر- فخرجت لمعرفة ماذا يحدث في المنزل ففوجئت به يحمل بنتا صغيرة ثيابها مهللة فقلت له مين ديه؟ فقال لي: سوف احزنك علي عيالك وزوجك فتركته ودخلت الشقة وفي الصباح سمعت إنهم وجدوا البنت علي شريط السكة الحديد مخنوقه.. وبسؤالها عن سبب قتل جارها للطفلة قالت إنه تقدم لخطبة إحدي قريباتها ولكنهم رفضوه ولذلك قرر الانتقام منهم وفجأة تقول شيماء أنا وزوجي علاقتنا أيه في الموضوع ده.. خاصة إنهم وجدوا الحلق في شقة جارنا ولكن هو منه لله قال إن أنا كنت علي علاقة بيه وأنا اللي جبتله البنت وقتلتها ووجدت الشرطة تقتحم علينا الشقة أنا وزوجي وبعد فترة من الحبس تأكدوا أن زواجي لايد له في الموضوع فخرج وبعد فترة توفي وتركني في الهم لوحدي. هذه السطور ترويها شيماء عن الجريمة التي أودعتها السجن وانجبت طفلها بداخله بعد ثلاثة أشهر منكرة ارتكابها الواقعة أو المشاركة فيها علي غير اعترافاتها أمام رجال المباحث والنيابة حيث أكدت أنها قامت باستدراج الطفلة لسرقة قرطها الذهبي وقام جارها عادل الذي يعمل تباع بتكميم الطفلة بكوفية لخنقها حتي أزهقت روحها بعد أن تعرفت عليهما ثم قاما بخلع ملابسها ولفها وإلقائها بجوار شريط السكة الحديد بقرية نوي وتبقي كلمة القضاء هي الفيصل في النهاية لتعلن براءتها أو إدانتها.