حلت أمس الاثنين ذكري مرور96 عاما علي نشوب ثورة1919, وهي ثاني أبرز حراك شعبي شكل تاريخ مصر الحديث والمعاصر. الحدث الأول كان تولية الشعب المصري لمحمد علي عام1805, واليا علي مصر بشروط الشعب, والحدث الثالث هو ثورة25 يناير.2011 يلفت النظر توالي هذه الثورات الشعبية الكبري كل نحو قرن من الزمان. تولية محمد علي بإرادة الشعب كانت منطلق بناء مصر الحديثة. ثورة1919 كانت تفجيرا لطاقات خلاقة كامنة اقتصادية وثقافية وفكرية وفنية علي حين تتحسس ثورة يناير2011, الأرض بحثا عن بداية طريق. يقول أحمد بهاء الدين إن التعريف الدقيق للإنسان هو أنه حيوان ذو تاريخ بمعني أن كل جيل من البشر يعرف تجارب الجيل الذي سبقه ويستفيد منها, وأنه بهذه الميزة وحدها يتطور. غير أنه إذا كان تعريف الإنسان بأنه حيوان ذو تاريخ صادقا فليس دقيقا تماما كل جيل يعرف تجارب من سبقه ويستفيد منها. إن استرجاع بعض أحداث ثورة1919, ومقارنتها بأحداث ثورة يناير.2011 قد يؤشر إلي الدوران في حلقة مفرغة أكثر منه إلي قطع مزيد من الخطوات قدما علي الطريق. تتشابه الثورتان في أنهما كانتا تعبيرا عن إرادة شعبية شملت معظم ألوان الطيف المصري المتناقضة التي جمعتها لحظة رفض لوضع قائم علي رؤاها فيما يطلق عليه تعبير اليوم التالي متباينة ومتباعدة. لم يكن لدي الوفد وهو الاسم الذي أطلق ابتداء علي مجموعة الساسة الذين تم تفويضهم للحديث باسم مصر أمام مؤتمر الصلح قبل أن يتم تشكيل حزب سياسي بنفس الاسم برنامج عمل سوي المطالبة بالاستقلال. ولم يكن لدي ثوار يناير برنامج عمل سوي الإطاحة بمبارك. لم يكن أحد مشغولا بكيف سوي يكون اليوم التالي أي ماذا بعد نجاح الثورة وأي مسار يتعين أن تتخذ. بعد الإفراج عن سعد زغلول ورفاقه بدأ التشاحن السياسي بين سعد وحزب الوفد الذي ترأسه وبين رفاق الثورة, والمعتقل الذين شكلوا حزب الأحرار الدستوريين وهو تشاحن وصل إلي حد التخوين ورفض التسليم بأن الاختلاف في الرأي هو من سنن الحياة الطبيعية. تكرر الشيء نفسه ولا يزال وبلا اختلاف في التفاصيل بعد ثورة يناير.2011 أطلق سعد زغلول علي لجنة وضع دستور.1923 اسم لجنة الأشقياء ورفض عملها لكنه خاض الانتخابات البرلمانية بمقتضي نفس الدستور. نفس السلوك انتهجه الرافضون لدستور2012, لكنهم خاضوا الانتخابات علي أساسه وعصر بعضهم علي نفسه الليمون لكي ينتخب محمد مرسي. شخصت الأغلبية الوفدية القضية الوطنية في حزب الوفد إلي درجة القول بأنه لو رشح الوفد حجرا لانتخبناه وشخصن الرافضون لحكم مرسي والإخوان القضية الوطنية في شخص السيسي مرشحا قائلين إن الرجل ليس بحاجة إلي برنامج ذلك أن الرجل هو البرنامج كما صرح بذلك كثير منهم قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة. لكن ثورة.1919 فجرت مع ذلك طاقات خلاقة لدي المصريين في مجالات عدة ما عدا في السياسة. تفجرت مواهب سيد درويش في الموسيقي والغناء خصوصا في السنوات الأربع التي سيقت وفاته بعد ثورة1919, وهو التراث الذي لا نزال نقتاته. وتفجرت مواهب طلعت حرب اقتصاديا يرسخ التكامل في كل قطاع فمن مصر لحلج الأقطان لمصر للغزل والنسيج لمصر لبيع المصنوعات المصرية, ومن مصر للتمثيل والسينما لاستوديو مصر لسينما استوديو مصر, ومن مصر للطيران إلي مصر للسياحة وغير هذا الكثير. تفجرت مواهب علي مصطفي مشرفة في الذرة قامة تطاول أينشتاين كما تفجرت مواهب طه حسين وعلي عبد الرازق في محاولات لتجديد الفكر الديني. ما قد يعطي لثورة1919, قصب الأفضلية هو أن هذه المواهب تفجرت مع وبعد الثورة مباشرة, وهو ما لم تستطعه ثورة يناير2011 حتي الآن.