كانت عودتي لدبي فجر يوم23 يناير من القاهرة, وبينما يقلني السائق الباكستاني لحيث منزلي وأسرتي, طالعت إيميلاتي سريعا فوجدت خبر وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله, وهو ما أحزنني كثيرا, وقد أرفق ببيان نعيه الذي نشرته واس وكالة الأنباء السعودية ما طمأنني حيث تمت تسمية ولي عهد الأمير سلمان بن عبد العزيز ملكا. ثم في ست قرارات ملكية تالية كان منها تمت تسمية ولي العهد الأمير مقرن ثم ولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية وبطل الحرب علي الإرهاب الأول عالميا, وصاحب فكرة المناصحة التي استنسختها ستون دولة في العالم في تقويم السلوك الإرهابي فيما بعد! كما تسمية الأمير محمد بن سلمان وزيرا للدفاع مع احتفاظه بمنصبه الجديد رئيسا للديوان الملكي..لكن رغم طمأنينة الانتقال السلس للسلطة عاش العالم حدادا, ولا أبالغ نحن المصريين بشكل خاص, علي وفاة هذا الملك الجليل الذي اعتبر المساس بمصر مساسا بالسعودية, والذي كان رائد المصارحة والمناصحة منذ القمة العربية في الكويت سنة2009 ثم في اتفاق الرياض الأخير الذي أعاد قطر للبيت الخليجي الكبير بعد أن شردت عنه عام2014, فكان رجل المواقف الحاسمة خارجيا وداخليا, فهو من أعطي المرأة السعودية الحق في عضوية مجلس الشوري وتولت في عهده منصب نائب الوزير وزادت ميزانية البعثات في عهده بلايين الدولارات..! وزاد عدد المبتعثين في عهده عن مائة ألف شاب سعودي في مختلف أنحاء العالم..حكمة الأسرة الحاكمة والسعوديين تجاوزت الخطر, وعقل حسم القلق وأنهاه! نحتاج إليها مع ذكري25 يناير ولا شك! فبينما يستغرقني الحزن علي رحيل الملك الصادق الباسم الإنسان كما نقل كل عارفيه وكما عرفناه, أتت ذكري الثورة المصرية في25 يناير سنة2015 لتزيد الشجن شجنا والقلب حزنا علي حزنه, حيث كانت أول الأخبار مقتل الناشطة والشاعرة شيماء الصباغ أثناء تظاهرة لحزبها التحالف الاشتراكي في ميدان طلعت حرب, أحزنني الخبر, واختلفت الروايات, الداخلية تتبرأ من اتهامها والحزب والنشطاء يتهم الداخلية, هذا بينما قضي مجند بسيط وأصيب ثلاثة ضباط في اشتباكات في الإسكندرية يوم25 يناير مع عناصر الجماعة الإرهابية التي تصر علي جعل الصدام مع الدولة والمجتمع هدفا لها, دون مراجعة أو تصحيح, واستنفر داعيتهم القرضاوي المصريين للمواجهة, ولم تقدم أدني مبادرة لمصالحة أو اعتذار حتي الآن! أحزنني موت شيماء الصباغ فالتظاهرة كانت قليلة, والنشطاء شباب الثورة والأحزاب ليسوا داعش أو الإخوان أو بيت المقدس, هم سلميون وليسوا أنصار عنف, كان من الممكن حمايتهم ومحاصرة المظاهرة والسيطرة عليها دون إراقة دماء, ولكن صار المتخيل عند الشرطي كما هو عند العادي أن أي مواجهة في تظاهرة ربما يؤدي لقتل, هذا هاجس رجل الأمن كما هو هاجس المتظاهر, وكذلك هو هاجس المواطن العادي العابر في الطريق! فقد لجأت جماعات العنف للعنف منذ أن تراجع حجم تظاهراتها وانكشفت شعبيتها, ولفظها كثير من قوي الشعب والثورة كما لفظتها الدولة...! هذا الهاجس وغياب الإدارة الأمنية الزكية للتظاهرات السلمية وغياب الحوار الجاد مع الشباب سواء من قبل الدولة أو من قبل الشباب أنفسهم, هو الخطر الأكبر الآن وليس تظاهرات الإخوان الذين لم يتبرأوا من الأفعال المشينة والعنيفة لبيت المقدس وداعش وأجناد مصر, وبينما يزايد الأخيرون علي قواعدهم يزايدون هم علي استمرار الغضب وعلي استمرار سقوط الضحايا وعلي الأزمات التي صارت تختزل في أنبوبة البوتاجاز الغالية اجتماعيا أو في قانون التظاهر والمحاكمات العسكرية لبعض المدنيين سياسيا, وهي قضايا سهل حلها بل ينبغي حلها.. لا بد من تنشيط عقل مصر وتفجير إبداعاته, كما انبجست عنه زيارة الرئيس السيسي المفاجئة للكاتدرائية في عيد الميلاد التي أسعدتنا جميعا, لتنطلق مبادرات لحل المشكلات العالقة سياسيا واجتماعيا, في أسرع وقت, ليجتمع كل المصريين علي مواجهة تحدي الإرهاب والفوضي وعودة الماضي الكارثي..