قبل أسبوعين كتبت في هذا المكان مقالا بعنوان: أبومازن.. والفيتو الأمريكي; عقدت فيه مقارنة بين نهاية الرئيسين الفلسطيني الراحل ياسر عرفات والحالي أبومازن وكيف أن الأخير سائر علي طريق الصدام مع إسرائيل والولايات المتحدة بعدما خذلته الدولتان أمام شعبه وأضاعتا17 عاما من مفاوضات الكعكة الحجرية وقتل الوقت فيما سمي ملهاة السلام وكان واضحا من البداية أن الأولي لم تكن جادة في التوصل إلي سلام مع الفلسطينيين ينهي احتلال الأراضي الفلسطينية في عدوان5 يونيو1967, والثانية استخدمت كل نفوذها للضغط علي الطرف الفلسطيني لانتزاع التنازلات وراء التنازلات, حتي لم يبق أمام أبومازن ما يتنازل عنه وإلا اعتبره شعبه خائنا أو مفرطا في حقوقه, وعندما استيقظ الرجل من وهم المفاوضات علي سراب; لم يجد بدا من الذهاب لمجلس الأمن, طالبا إنصاف شعبه و وضع جدول زمني لإنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية في عام67 في سبتمبر2017, لكنه اصطدم بالفيتو الأمريكي, الذي لم يسقط الحلم الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة علي22% فقط من فلسطين التاريخية, لكنه أسقط المكانة الأخلاقية للدولة العظمي والراعي غير النزيه لعملية السلام التي استخدمت كمخدرموضعي لتحسين الصورة الكريهة لإسرائيل حول العالم وكستار لتوحش الاستيطان البغيض في القدسالشرقية والضفة الغربية علي نحو يكرس سياسة فرض الأمر الواقع ويجعل في حكم الاستحالة إقامة دولة فلسطينية متواصلة الأجزاء. صحيح أن واشنطن لم تضطر الأربعاء الماضي إلي استخدام الفيتو صراحة لكنها لوحت به وكانت جاهزة لاستخدامه لولا اختفاء مندوب نيجيريا في مجلس الأمن قبل التصويت بوقت قصير, في صفقة مشبوهة مع الدولة التي ترعي الإرهاب الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني, وتوظف كل علاقاتها للدفاع عن جرائم قادتها وتصورها علي أنها دفاع عن النفس. ولأن القيادة الفلسطينية كانت تعلم حقيقة النيات الأمريكية فقد ردت بالتوقيع علي الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية, وهو الطلب الذي يتعين الانتظار لمدة شهرين قبل أن تصبح عضوية فلسطين فيها سارية, وهو الأمر الذي من شأنه أن يشكل منعطفا جديدا في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي, إذ بمقتضي هذه الخطوة يمكن تعقب وملاحقة جزاري إسرائيل الذين ارتكبوا كل أنواع جرائم الحرب والإبادة والجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني,, ليس آخرها ما حدث خلال العدوان الإسرائيلي علي غزة الذي أوقع2100 شهيد وآلاف المصابين, ناهيك عن هدم أحياء في غزة بكاملها. ومنذ اللحظة الأولي لتوقيع أبومازن لاتفاقية الانضمام إلي المحكمة الجنائية والتهديدات الأمريكية والإسرائيلية لا تتوقف, وتحديدا التلويح بوقف المساعدات, وهو ما يعني إعلان وفاة عملية السلام فعلا, وضرورة أن تبحث القيادة الفلسطينية عن أوراق جديدة لإدارة الصراع. ولا يتعين أن تتراجع القيادة الفلسطينية عن خياراتها أمام التهديدات الأمريكية الإسرائيلية, بل عليها أن تواصل تحديها جبروتهما, وأن تفضح ممارساتهما أمام العالم وتستعد لمواجهة تهديدات واجراءات أشد وأن تكون مدركة حجم التحديات المقبلة, وهذا أقل شيء يتعين أن يفعله رئيس يعاني شعبه منذ عام1948 أسوأ جريمة لسرقة الأرض وتدنيس العرض وإزهاق أرواح أبنائه. لقد تسبب التعنت الإسرائيلي والتواطؤ الأمريكي في أن يكفر أبومازن أهم مهندسي اتفاقية أوسلو بعملية السلام التي أرادها صقور إسرائيل عملية استسلام وتفريط في المقدسات الفلسطينية وفي مقدمتها حق العودة, والتمسك بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية, والعودة لحدود4 يونيو67, وهي القواسم التي أجمع عليها الشعب الفلسطيني, ولا تملك قيادة فلسطينية حق التنازل عنها مقابل إعلان دولة علي المقاس الأمريكي الإسرائيلي. لقد أنهيت مقال الأسبوع قبل الماضي بالقول: إن عملية السلام تحتاج إلي مراجعة والقضية الفلسطينية تتطلب إعادة تعريف, وظني أن انضمام فلسطين إلي الجنائية الدولية هو الخطوة الأولي علي هذا الطريق الشاق والمحفوف بالصعوبات والمطبات والمكائد, فهل يفعلها أبومازن ويحل السلطة الفلسطينية وينهي التنسيق الأمني مع المحتلين ؟