أسئلة أصبحت تنسي ياسيد حاء. صغيرا نحيلا مع أبيك تسير. يدك حمامة في يده. عائدين وحيدين من صلاة المغرب تتهاديان علي حضن الترعة. كنت تحب هذه الساعة.. ساعة ليونة النهار وحنو الليل القادم علي مهل, وهذه الرمادية التي تظل البيوت وأعالي الأشجار وأشباح البهائم العائدة من المرابط. أبوك انحني علي لقمة خبز محشوة بالنمل وركنها علي حد الشاطيء. دي نعمة ربنا بس ماحدش هياكلها ولو00 دي نعمة ربنا وليه ربنا سايبها؟! سايبها يعني ايه يا بني؟! ليه ربنا رميها في الشارع؟! يابني ربنا مش هو اللي رماها.. البني آدمين هما اللي رموها. وليه ربنا سايبهم يرموها وهيا بتاعته؟! بيسبب الأسباب. يعني إيه؟! يوووه!.... امشي وخلاص كيف تنسي؟ يدك( الحمامة) انقبضت وانبسطت من تلقاء نفسها. غناء وأنت صغير, كان جدك يغني: (أنا في إيدي منديل أحمر وبلح أحمر واللي معاه مال من صنف الجنيه لحمر يبات يقلب في شفايف شبه العسل لحمر) أخبرك انه غناها وهو مزروع في غيطان الباشا فؤاد, ولما مات الباشا حدثك انه سار علي شط الترعة وغني: (دخل العريس علي العروسة استعجبم يا ناس حملت العروسة من العريس استعجبم يا ناس لقوا العروسة الجلالة والعريس كلمة الإخلاص) حين مشي الزمان قال انه قد وهن العظم منه, وانحني الظهر عجزا, وغني لك من الفراش للمرة الأخيرة أيها السيد حاء: (صعبان عليا كحيلة كنت مربيها خانت ودادي ولاطمرشي الرباية فيها أنا قلت خدها يادلال علي سوق الاثنين وديها وإن ما تبعتشي في لتنين انزل بها التالت دي طلعت خاينة ردية ومن لحم البغال شالت). هذا الرجل يأتي اليك المترو ولم تزل تقلب بصرك في الساعة محاولا التشاغل عن هذا الواقف بجوارك يسأل: * علي فين ده يا بلدينا؟ * خط الجيزة ياحاج * هوا ده المترو؟ * أيوا! ينفتح الباب وتترك له اسبقية الدخول, من فرط ضخامة عمامته تصورته برأسين, كان يرتدي جلبابا بلديا بأكمام واسعة, ثمة فتحة سبعاوية طويلة تظهر صدره المشعر والصديري والأزرار المرصوصة, متجاورين كنتما واقفين, وهو يقلب عينيه في التكييف واللوحة المستطيلة للمحطات, تحس ان شيئا ما يأخذك نحوه. * أنت منين ياحاج؟ * من بعيد يابلدينا * ونازل فين. * كلها أرض الله. لا ادعي للحديث عن تعجبك الساخر, وإدارة رأسك عنه, أنت الذي لم تفعلها مع أحد من قبل, هل لأنه يذكرك بأشياء بعيدة؟ علي كتفك وضع يدا كالفأس: * آخره لحد فين المترو ده؟ * لحد ضواحي الجيزة, بس قوللي نازل فين؟ * مش مهم يابلدينا.. آهو احنا متونسين بالناس. وماذا وراءك يارجل؟ تتسلل بين الواقفين وتتوه عن عينيه, تسمعه يحدث آخر: * حلو قوي المترو ده! * طبعا! لم يفارقك دوران عينيه في الوجوه والمحطات المارقة, اخيرا تنزل في( العتبة) وتقدر انه نسيك تماما. عودة تدخل شقتك ياسيد حاء يحدث ان تطلق زفرة يخرج معها غبار جبل المقطم, ما أن تغلق الباب حتي تأتيك نسائم الألفة, فتستريح علي الكنبة وتمسك بالريموت, يحصل أن يبول التليفزيون في وجهك. تلوذ بالراديو فتراه يرتعش ويتذبذب فتعرف انه مفخخ, تذهب للحمام فتجد قردا يجلس مكانك مبتسما, تهرب للمطبخ وتفتح الثلاجة فتطل منه بومة عظيمة, في غرفة نومك تطالع واحدة منقبة تنام في فراشك,. تجري إلي سطح البناية وينبت لك جناحان هائلان. كنت تطير برفق, وتطير.... إلي إلي إلي..... الشارع. حسام المقدم ميت غمر