هذه القصة قلتها لصديقي النجم.. ونحن نجلس في حجرتي في الإستوديو السينمائي.. ننتظر موعدنا في تصوير مشاهدها في فيلم جديد.. قلت له هذه القصة حدثت لي منذ خمسة عشر عاما مضت. ولكني لم أنساها.. لأهميتها في حياتنا الفنية التي نعيشها مع كل نجوم السينما.. ونظر إلي صديقي النجم المشهور بهدوئه وطيبته ليستمع القصة!! قلت له.. كنت في طريقي إلي الإستوديو لتصوير فيلمي الجديد وكان الوقت شتاء والأمطار تجبر سيارتي علي أن تسير ببطء.. والطريق خال.. والأمطار تقطع بخيوطها المائية ظلمة الليل.. شاهدت عربة جاز من تلك العربات التي نعرفها في ذلك الوقت.. وهي عبارة عن فنطاص حديدي.. وله ذراعان من الخشب بينهما حصان يجر عربة الجاز الذي كانت تستخدمه البيوت والمحلات التي لا تستخدم البوتاجاز كانت العربة يجرها حصان يتحمل وغزات المطر.. وبلل الطريق ويجر العربة ببطء شديد وبجهد يعلن أنه قطع مشوارا طويلا في هذا الجو الملبد بالسحب والمطر.. وكان يركب العربة شاب لايبدو عليه أنه مارس بيع الجاز قبل ذلك.. وفي يده كرباج.. يلسع به جسد الحصان المرهق.. والذي يعاني من الإجهاد.. تخطيت عربة الجاز بسيارتي التي تسير ببطء وأنا أشاهد عربة الجاز والحصان.. والشاب بضرب بكرباجه علي جسد الحصان.. بشدة.. وفجأة سقط الحصان علي الأرض ولم يحرك ساكنا.. وفي نفس اللحظة سقط الشاب الذي يبيع الجاز وأخذ يضرب الحصان بكل عنف وقسوة لكي يقف الحصان الذي لم يتحرك وظل في وقعته.. وهنا أوقفت سيارتي وعدت بها إلي الوراء.. ووصلت إلي مكان الحصان.. ونزلت من السيارة.. واتجهت إلي الشاب وانتزعت منه الكرباج الذي يضرب به الحصان.. وصحت فيه أن يتوقف.. وفوجئ الشاب بما فعلت.. وأخذ يتمتم بعصبية بكلام.. أن الحصان لا ينفع أن يجر عربة جاز لأنه كبر وليست هذه شغلته.. لأنه كان حصان سبق الخيول.. وأصابه العجز فاشتريناه رخيصا لكنه غير مفيد.. ولم أعلق علي كلامه.. ووضح أنه لا يعرف أسرار عربات الجاز.. وكيف يساعد الحصان علي القيام.. فأسرعت أنا بفك العريش كما يسميه أصحاب عربات الكارو.. وحررت الحصان من الأربطة التي تربطه في أعمدة العربة التي علي الجانبين وأبعدت التي فوق جسده.. وأخذت أمسح بيدي علي رأسه من مياه الأمطار.. ونظرت إلي جسده المنهك.. فرأيت أن لونه أبيض.. أظهرته مياه المطر.. وأبعدت عنه الشحوم السوداء.. والطين.. وبقايا الجروح التي أصيب بها من كرباج الشاب القاسي.. الجاهل بسير هذه النوعية من عربات الجاز.. ونظرت إلي عيني الحصان.. ورأيت شريطا سينمائيا.. عبر عنه الحصان بنظراته إلي.. رأيته وهو يجري عبر سباق الخيل.. وهتاف الجماهير تلاحقه وهو يسرع كرهوان يحقق الفوز وفي النهاية يفوز وينزل الجوكي ويقبله.. ويسرع إليه الطبيب البيطري.. ويغطيه الممرض بملاءة من الجوخ حتي لا يصاب بالبرد.. ويتقدم صاحبه في يده قطع السكر يطعمها له بحب شديد.. قطعة.. قطعة.. وكاميرات الفائزين وهواة الخيول تسطع حوله.. بالفلاشات لأخذ صور تذكارية.. وكاميرات المجلات التي تهتم بسباق الخيول.. كنجم كبير.. وهو يقف شامخا بين الجميع كأي نجم شهير بالفوز في سباق الخيول.. ونجومها!! وأفقت من حلمي الذي شاهدته من خلال نظرات هذا الحصان.. النجم الذي يجر عربة جاز.. وعدت إليه.. وهو راقد علي الأرض ينظر إلي.. وأقسم لك ياصديقي النجم أنني رأيت دموع الحصان وهي تنساب من عينيه وأخذت أساعده علي الوقوف وهو يطاوعني بهدوء.. حتي وقف شامخا ذليلا.. وساعدني الشاب الذي كان يراقب ما يحدث دون أن يتحرك.. وأعدت الحصان إلي عربة الجاز.. ومسحت بيدي علي وجهه.. وأخرجت منديلا من جيبي.. ومسحت دموع الحصان الذي هز رأسه.. وكأنه يقول لي.. شكرا.. وانصرف يجر عربة الجاز. ونظرت إلي صديقي النجم وقال.. إنها قصة رائعة التي سمعتها منك الآن.. ولكن ما سبب أن تحكي هذه القصة لي الآن وهي التي حدثت منذ خمسة عشر عاما.. وتذكرها بأدق تفاصيلها.. قلت له.. لأننا نجوم يا صديقي.. وعشت أخشي أن أكون نجما.. يجر عربة جاز.. وللقصة بقية يا صديقي النجم.. وجاء صوت المخرج من بعيد.. جاهزين يا نجوم.. وذهبنا نصور أحداث فيلمنا الجديد.. وإلي لقاء العدد القادم..!!