مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية تنفيذا للاستحقاق الثاني من خارطة الطريق, دخلت مصر الجمهورية الثالثة, ويجمع الخبراء المهتمون بالشأن العام أن الجمهورية الأولي بدأت من محمد نجيب وحتي مبارك, والجمهورية الثانية تمثلت في حكم محمد مرسي- وهي الجمهورية الأسو بلا منافس- في تاريخ مصر المعاصر, ومع دخول مصر في الجمهورية الثالثة امتلأ المصريون بأمل كبير وتفاؤل كثير نحو حياة أفضل بعد عقود من المعاناة, ولكن الأمل والتفاؤل غير كافيين لتحقيق تطلعات المصريين بل نحتاج لعمل دؤوب من كل من الحاكم والمحكومين, ونظرا لمسئولية الحاكم عن رعيته فمسئوليته أكبر, ولعل التحدي الأكبر الذي يواجهه الرئيس السيسي هو إحداث تنمية شاملة في جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والصحية والأمنية بما يحقق نقلة نوعية في مستوي جودة حياة المصريين. ولعل المقوم الأساسي في عملية التنمية الشاملة هو العنصر البشري, وبقدر ما يشكل هذا العنصر تحديا, فإنه يمثل فرصة هائلة في تحقيق التنمية ونقصد هنا تنمية الإنسان بالإنسان وللإنسان وهو شعار برنامج التنمية البشرية بالأممالمتحدة, أقصد هنا أنه آن الأوان أن تتغير نظرة الدولة للمصريين علي أنهم أزمة وأن الزيادة السكانية هي سبب معوق للتنمية, والحقيقة أن السبب الحاكم هو تدني الانتاجية وانخفاض الناتج القومي الاجمالي ومع الزيادة السكانية تزداد حدة المشكلة, ولكنني أزعم أنه عند التعامل مع الموارد البشرية المصرية علي أنها ثروة من خلال وضع السياسات والبرامج التي تفجر طاقات المصريين وتطلق طاقاتهم وتحرر أفعالهم ستصبح الزيادة الإنتاجية وليست الزيادة الإنجابية هي ركيزة التنمية الشاملة, وما أؤكد عليه هنا هو تعظيم دور البشر وتنميتهم بالمفهوم الشامل للتنمية البشرية من الأبعاد الصحية والسكنية والتعليمية والسكانية والاجتماعية والنفسية والإدارية وأوضاع العمل بما يكون إنسانا قادرا علي العطاء ويتمتع بمستوي لائق من جودة الحياة, وقد أكد هذا المفهوم أحدث تقرير صادر من الأممالمتحدة(2013) عن التنمية البشرية في العالم بعنوان نهضة الجنوب: تقدم بشري في عالم متنوع وطالب التقرير الدول بالتحول من الاهتمام بالأمن العسكري إلي الأمن البشري الذي يعني الحد من عدم الأمان البشري في الحياة اليومية من خلال مكافحة المرض والجهل والفقر والبطالة والجريمة والأخطارالبيئية, وعن وضع التنمية البشرية طبقا لهذا التقرير فقد جاءت في المرتبة112 بمعدل تنمية بشرية بلغ0.662 من بين187 دولة, وتعتبر مصر من الفئة المتوسطة الدنيا, ويمكن أن نعزو هذه المرتبة التي لا تليق بمكانة مصر تاريخيا أو جغرافيا اوبشريا إلي الأسباب التالية: - ارتفاع نسبة الأمية(28%), مقترنة بنسبة تسرب عالية من التعليم الأساسي - خلل هيكلي مزمن من الستينيات يتعلق بالتوسع في التعليم العالي علي حساب التعليم الإلزامي أي الهرم المقلوب - الاهتمام بالجوانب السياسية والأمنية وعسكرة النظم علي حساب الأمن البشري بالمفهوم السابق - تدني الانفاق العام علي الصحة(1.7) والتعليم(2.2) كنسب من الناتج المحلي الاجمالي - انخفاض نسبة مساهمة السكان في إجمالي قوة العمل(51.3) في2012 - خلل مزمن مصحوب بتشوهات هيكلية في سوق العمل وتوقف ديناميكيات سوق العمل نتيجة قرارات إدارية تحدد تسعيرة الشهادات وتوزيع الطلاب علي الجامعات. - انخفاض جودة التعليم نتيجة تخبط السياسات وغياب استراتيجية وطنية لا ترتبط بأشخاص الوزراء وهكذا فإن القيادة السياسية مطالبة بوضع برنامج وطني للنهوض بالتنمية البشرية في الجمهورية المصرية الثالثة, وأقترح أن يكون هدف الدولة هو: تحقيق معدل0.80 تنمية بشرية بنهاية يوليو2018, وهو ما يستتبع إصلاحات كلية في التعليم والصحة وتنامي مخصصاتهما حسب دستور2014, مع مكافحة الفساد والإسراف في كل جوانب الإدارة العامة. أستاذ إدارة الموارد البشرية بجامعة حلوان