ظل مشهد سقوط والده أرضا غارقا في دمائه بضربة من جارهم أحمد عالقا في ذهنه ولا تلك اللحظة يوم أن كانت المشاجرة حامية الوطيس بينهم وبين جيرانهم حول الجدار المبني بالطوب اللبن بينهما وكيف تحولت المشادة الكلامية بين والده وجاره إلي مشاجرة تخلص خلالها الجار من والده الذي كان طاعنا في السن ولم يقدر علي مقاومة الشاب الذي وجه له عدة لكمات قبل أن ينهال عليه بشومة فوق رأسه وأجهز عليه حتي فارق الحياة أمام عينيه في وضح النهار. عاش سلطان أياما وليال سوداء طوال30 عاما كان أكثرها كآبة وحزنا ال25 الأخيرة منها حيث كان عمره حين قتل والده خمسة أعوام طفلا لا يقدر علي شييء من أمور الثأر والمشاجرات بين العائلات حيث تشبع بمشاعر الحقد والغل لقاتل والده وعائلته ورضع منطق الثأر من والدته التي ألقمته كلمات ثأر أبوك ولازم تبقي راجل وكان منظر والدته التي تتشح بالسواد طول الوقت يبعث علي ضرورة التخلص من عبوس وجهها الكالح بالرضوخ لرغبتها. ولم تكن الأم وحدها هي الملهمة له في جريمته التي خطط لها كثيرا منذ أن كان طفلا فجميع الأقارب شجعوه علي الأخذ بالثأر و آخرين عايروه بأنه لن يصبح رجلا في القرية يمشي مرفوع الرأس بين الجميع بعد أن قتل والده بين يديه دون أن يحرك ذلك لديه ساكنا. وفي لحظة تخطيط محكم تعاقد علي شراء بندقية آلية سريعة الطلقات و تسلمها وبدأ في التدريب عليها حتي أتقن التصويب بها جيدا وكان يحملها ليلا ويمشي بها في الزراعات ويطلق منها الرصاص إرهابا لقاتل والده الذي كان لا يكترث بما يفعل الشاب يمشي مطمئنا في القرية التي يعمل بإحدي مدارسها معلما. كان سلطان يقدم قدما ويؤخر الأخري في الإقدام علي الأخذ بالثأر لأنه يعلم عاقبة جريمته إما القتل أو السجن وظل علي ذلك الحال سنوات طويلة منذ أن كان عمره15 سنة ولكن في إحدي المرات وبينما هو في طريقه إلي سوق القرية سمع بعض النسوة يتحدثن عنه وعن رجولته المنقوصة بعد أن سبقهم في الطريق والتقطت أذنه كلمة ده مش راجل وحينها جرت الدماء في عروقه وحاول الالتفاف والعودة إليهن و عتابهن أو صفع من قامت بسبه أمام عينيه ولم تعد له حسابا ولكن شيئا ما بداخله تحرك ومنعه من الإقدام علي مثل ذلك الفعل وتحدث إلي نفسه قائلا: لو تخلصت من قاتل أبي وأخذت الثأر لن يجرؤ أحد علي النظر في وجهي بل ستتواري النساء عني حينما أمر في الشارع. عاد سلطان إلي منزله مثقلا بالجراح الجديدة التي فتحت جراحا قديمة مؤلمة و توجه إلي مخزنه الأرضي بحديقة المنزل خلف حظيرة المواشي وأخرج بندقيته الآلية التي يعتبرها صديقه الوفي وسنده في حربه المقبلة وبدأ في تنظيفها و حشوها بالرصاص استعدادا إلي الانتقام من قاتل أبيه وحمل خزنتين أحرتين معه وتوجه في الظلام الدامس إلي منزل قاتل والده وتسلل في جنح الليل و كمن لهدفه قبل خطوات من منزله علي طريق الجسر وأنتظر وأرهقه الانتظار لساعات و دخل إلي حقل الذرة لإشعال سيجارة وقبل أن يشعلها سمع خطوات أرجل قادمة وإذ به الهدف المحدد و وضع يده علي بندقيته و في لحظات أطلق وابلا علي الهدف فسقط الجسد علي بعد خطوات منه. عاد سلطان إلي منزله و أعاد بندقيته إلي مخدعها بينما أطلقت والدته زغرودة فرحا بما اعتبرته يوم الكرامة لأسرتها وأبنها الذي توالت عليه الاتصالات من الأقارب بالتهنئة و دمدم الرصاص في جوف الليل وسرت في القرية قصة الطلقات السريعة المكتومة التي ولجت في لحم بشري تيقن الجميع أنها من جانب العائلة التي انتظرت الفتي المخلص لسنوات. وفي الصباح أطلق نساء أسرة القتيل الجديد الصراخ والعويل بعد العثور علي الجثة وما هي إلا ساعات حتي تمكنت قوات الشرطة جنوب محافظة بني سويف من القبض علي قاتل المدرس بقرية تل كفر منصور التابعة لمركز ببا والذي قتل بعدة طلقات في رأسه. حيث أقر سلطان بجريمته وسلم سلاحه في أسرع اعتراف قدمه قاتل لرجال المباحث بل إن المتهم سلم نفسه طواعية دون أن يكلفهم عناء البحث عنه. وكان اللواء إبراهيم هديب مدير أمن بني سويف تلقي إخطارا من العميد علاء شاكر رئيس الرقابة الجنائية يفيد بمقتل أحمد هلاوي48 سنة مدرس بعدة طلقات في الرأس فأمر هديب بسرعة ضبط الجاني وتحريات البحث الجنائي حول الواقعة. دلت تحريات البحث الجنائي التي قام بها اللواء زكريا أبو زينة مدير المباحث الجنائية علي قيام سلطان كمال عرفة سرور عامل ومقيم بقرية تل كفر منصور بقتل أحمد هلاوي بعدة طلقات نارية في الرأس من سلاح غير مرخص أخذا بالثأر في مقتل والده كمال عرفه والذي لقي مصرعه علي يد المجني عليه منذ25 سنة بسبب خلافات علي حائط يفصل بين منزلهما. وأكدت التحريات علي صدور حكم محكمة منذ25 عاما بالحبس5 سنوات علي المجني عليه وخرج عقب تنفيذ الحكم منذ20 عاما وبعد أن بلغ الجاني سن ال30 قام بالانتقام لمقتل والده الذي شاهده غريقا في دمائه وهو صغير. تمت حرير محضر بالواقعة وأخطرت النيابة التي تولت التحقيق. رابط دائم :