ما أصعب ما تمر به مصر اليوم وهي في مرحلة حرجة تزداد يوما بعد الأخر.. ولم لا ونحن نسهم في ذلك سواء بعلم أو بدون علم وسواء كانت والنوايا حسنة ولكن علينا أن نتأسي بهذه المقولة المأثورة وهي أن الطريق إلي جهنم مفروش بالنوايا الحسنة.. ولكنني أعتقد أن كل النوايا ليست حسنة وأن كل ما يأتي من أفعال ورائه مقاصد وأهداف قد نعلمها أو أننا لا نستطيع مواجهتها والوقوف في وجهها.. إن أزمة مصر الآن هي كثرة المعارك وتعدد الأطراف علي نحو غير مسبوق وهذه المعارك في معظمها شخصية أو معارك لتصفية حسابات أو أنها تعمل وفق أجندات خارجية.. لكنها كلها في النهاية لا تعكس مصلحة الوطن من قريب أو بعيد.. لقد تحملت مصر ما يزيد عن طاقتها بل وفوق الطاقة ولكنها علي الرغم من ذلك وتلك الضربات التي تأتيها من كل حدب وصوب مازالت متماسكة لقد أسخنت بالجراح وعلقت بجسدها سهام مسمومة.. ومع ذلك لم يدرك أبناؤها أن عليهم أن يجتمعوا علي قلب رجل واحد لحمايتها ومعالجة ومداواة جروحها.. مصر الآن في معركة شرسة مع الإرهاب وهو إرهاب منظم وممنهج يحاول أن يشرعن وجوده وما يقوم به من أعمال وهي قد تكون فئة قد ضلت الطريق أو بغت ولكنها تشكل خطرا كبيرا علي البلاد وعلينا ألا نستهين بذلك وأن نعلم أن هناك تكلفة باهظة سوف تدفعها لدرء ذلك الخطر والذي لابد وأن يزول.. فمن المسلمات الأخري هو أن علينا أن نعلم أن هذه المواجهة قد صارت حتمية وأنه ليس هناك بديل أيا كانت تلك المبادرات التي نسمع عنها والتي من المؤكد أننا نتمني أن تكون صادقة لكن كل ذلك في ظل هذه الأجواء وفي ظل الأحداث والحوارات التي نراها تصبح غير موجودة بالكلية.. لكن هذه المعركة الحتمية وذلك الموقف الحرج يتطلب أن يكون هناك إجماع وتوافق وعدم تفريع للقضايا والأمور وكذلك أيضا عدم أختلاق بؤر جديدة لمعارك وهمية لا تفيد من قريب أو بعيد ولكن محصلتها هو أن إضعاف مصر والجيش والحكومة.. وليست الحكومة الحالية ولكن أية حكومة أخري تأتي بعدها علي أن تفعل شئ.. أننا نعيش في واقع الأمر حالة من الاستنزاف ليس فقط لمواردنا ولكن للجهود وأن هناك مصادر لذلك النزيف وهي تلك الخلافات والاختلافات التي تثور حول أي شئ وكل شئ والتي في ذات الوقت تسعي لأن تحقق أهدافا وأن تجد لنفسها موضعا علي أرض مهتزة وغير مستقرة ذلك توصيف ما يحدث الآن.. و لقد أصبحنا نري أصحاب الياقات البيضاءwhitecollar الذين يسيرون في واد والوطن كله يذهب في واد أخر وهم لديهم القدرة علي التفلسف والتحذلق وهذه تعد بالوظيفة السهلة والأمر الهين في مثل الظروف التي نعيشها وكل ذلك يحدث ويتم تحت دعوي بناء مصر وإرساء مؤسساتها وذلك شيء جميل.. لكننا نريد أن نشيد المبني ومرة واحدة ولا نؤمن بمبدأ التدرجية والسلاسلة نريد أن نحقق كل شئ دفعة واحدة أن نقضي علي الإرهاب ونعيد لمصر الأمن والأمان أن نحسن الوضع الاقتصادي والحد الأدني والحد الأقصي قضايا أساسية الآن لكن لا ندري كيف سيتم ذلك في ظل إقتصاد منهار وفي ظل توقف عجلة الإنتاج.. وتراجع المخزون السلعي وتوقف قطاع السياحة وتحويلات المصريين من الخارج وإغلاق المصانع لأبوابها ما يزيد علي3 آلاف مصنع وأيضا شركات المقاولات وتوقف قطاع البناء والعجز الكبير في الموازنة.. كل ذلك ونقطة البداية لدينا الآن هو رفع الحد الأدني وتحديد الحد الأقصي.. هذا أمر مطلوب وكان لابد وأن يعمل به لكن كيف يمكن لنا ذلك في ظل هذه الظروف والمعطيات.. البدايات وتحديدها نقطة مهمة كان لابد من الاتفاق عليها والتوافق وهي أن نبدأ بزيادة الإنتاج وزيادة مصادر الدخل القومي وإيقاف كافة عوامل تسريب الدخل القومي.. البداية هي أن نضخ ونحقن الاقتصاد القومي بجرعات من العقار الذي يمكن أن ينشطها ويجعل الحياه تدب فيها وهو الاستثمارات سواء الداخلية أو الخارجية وذلك يتطلب أن يعود الاستقرار والأمن والثقة في أن مصر قد عادت كما كانت وأفضل.. التوافق علي البدايات مهم لكن هناك ما هو أهم من ذلك وهو التوافق علي مدي ملاءمة التوقيت فما قد يصلح اليوم قد لا يصلح للغد أو أمس وأن ندرك أن الوقت ليس في صالحنا وأن عدم التوافق والاختلاف في الأراء وإن كان ظاهرة صحية لكن إن زاد عن حده دخل بنا في مرحلة من السفسطة والجدل العقيم الذي لابد وأن تقود إلي التشويش وعدم الرؤية.. تلك الأمور تعد عوامل إيجابية للخصوم وأعداء الوطن سواء في الداخل أو الخارج وتعد بيئة خصبة لهم لتحقيق أهدافهم.. أن مصر تواجه تحديات كبيرة لكن التحدي الأكبر هو حالة عدم التوافق بين القوي والتيارات السياسية التي أوكل إليها تنفيذ خارطة الطريق أو خارطة المستقبل وهذه الخارطة تتطلب من يعوونها جيدا ويعرفون كيف يطبقونها ويسيرون بمقتضاها.. علينا أن نكف عن تفريع القضايا التي قد يقول قائل أن الوضع الحالي قد يفرض ذلك ويشجع عليه فنحن نعيش في حالة من الانسيابية إن جاز لنا التعبير حالة عدم إستقرار وشيوع العنف والإرهاب الذي مصدره الاختلاف الجذري في الأفكار والذي تؤيده وتتشبع له قوي خارجية لها أجندات قد تكون معلومة لنا بعض تفاصيلها.. وفي ذات الوقت الدولة في حاجة إلي إعادة بناء بكيفية وطريقة جديدة تتواءم مع مستحقات هذه المرحلة من التغيير الجذري ولكننا قد أستغرقنا في ذلك كثيرا ونستهلك الوقت أو ان الوقت يقطعنا وأخشي أن يكون قد قطعنا بالفعل.. نحتاج إلي دستور مازال هناك خلاف عليه مع أن الأمر ليس بتلك الدرجة من الصعوبة وأن تلك المعارك الخلافية المختلفة هي وهمية ومضيعة للوقت ولن تكون في صالح أحد.. الخلاف علي المادة(219) وعلي هوية مصر أو التأكيد علي حقوق كل فئة من فئات المجتمع وحمايتا امر لايكون بحالة الدستور وذلك الكم الكبير من المواد.. ولكن قوانين وتشريعات أخري سوف تأتي لضمان هذه الحقوق وهي سوف تتطور وتأخذ الصيغة العملية التي يمكنها عملية التطور والتغيرات التي يمر بها المجتمع.. الوقوف أمام هوية مصر أمر بديهي فهي معروفة وتعربها ولا تحتاج لذلك الجدل وهو لا يعكس سوي شئ واحد هو التخوين وعدم التوافق وأن هناك شرخا ما قد حدث في الشخصية المصرية.. فمن ذا الذي يمكن أن يزايد علي مسلمات موجودة في كل الدساتير ولم يتم الاعتراض عليها أو إعادة طرحها إلا في هذه الأيام وهل كان وجود هذه المواد التي تتعلق بهوية مصر سواء في ذلك الدستور أو الدساتير السابقة له أية تأثير سلبي علي حقوق المصريين ذي العقائد الأخري أو تترتب عليه اية أثار الإجابة نعرفها جميعا وليست في حاجة إلي التدليل عليها.. فلماذا كل ذلك الجدل والتوقف أمامها ويخرج علينا من يقول ما الذي يريده الأقباط من الدستور الجديد وكأن الأقباط قد خرجوا عن إجماع المصريين وأصبحوا فصيلا يبحث لنفسه عن مادة في الدستور لكي ما نحميه ممن لا أدري من الشعب أو الدولة كمؤسسة سياسية يعد جزءا منها بغض النظر عن العقيدة.. تلك نقطة خطيرة تعد بداية لقولبة وضع الأقباط وهي تعد نوع من طأفنة الأوضاع من خلال تقنينها.. علينا أن نقلص من مواد الدستور بحيث تصبح عمومية فالمبادئ تتسم بالعمومية وإلا فلا حاجة لنا فيما يعد إلي القوانين والتشريعات.. الدساتير السابقة كدستور(1923) ودستور(1971) كلها دساتير صالحة وأن ما نحن في حاجة إليه هو أن نهتم بالمسائل السياسية أو التي تخص العلاقة بين السلطات بحيث تكون واضحة وفاصلة ولا تضمن جور أحداهما علي الأخري.. لأنه إذا ما حدث ذلك يقع الخلل ويخشي المواطن أيا كان وصفه وأيا كانت عقيدته من بطش هذه السلطة وتجاوزتها.. علينا أن لا نخوض في تلك المواد التي أحتوت عليها الدساتير القديمة والتي عمل بها لسنوات طويلة وترسخت التي تعد من المرتكزات والثوابت كتلك التي تتعلق بهوية الدولة طالما أن ذلك لن يؤثر علي الحقوق والواجبات والإلتزامات التي تفرضها حقوق المواطنة التي تعني الإنتماء للوطن وأن الدولة كمؤسسة سياسية أو التعبير السياسي عن ذلك الوطن بمؤسساتها تدرك هذه الحقوق وتعمل علي تحقيق مصلحة المواطن أيا كانت عقيدته وألا يكون هناك تمييز بناء علي العقيدة وذلك يتطلب التوافق والصدق أكثر من النص عليه في الدستور فما الفائدة أن ينص الدستور وينتهك علي مستوي التطبيق من خلال تشريع أو قانون علينا أن نترفق وأن نتوافق فلا نجد دستورا ولا حتي دولة ومن ثم وطن فالتوافق وعدم التوسع والتفريع للقضايا والموضوعات هو طوق النجاة لنا في هذه المرحلة العصيبة. رابط دائم :