"أطفال الشوارع"، كثيرًا ما نتعامل مع الكلمة لفظًا وليس معنى، تراهم عيونهم شاحبة وأجسادهم نحيلة، وتجدهم يبيعون علب المناديل أو غيرها في إشارات المرور، القانون يراهم "أحداث".. وفي مقر قسم الأزبكية التقت بهم "بوابة الأهرام" لمعرفة علاقتهم بالأحداث الأخيرة من تظاهرات واتهامهم برشق قوات الأمن بالحجارة والمولوتوف وشائعات اعتقال قوات الأمن المركزي لأطفال الشوارع فى معسكراتهم. في البداية نفى العقيد خالد عبد العزيز، مدير إدارة مباحث رعاية الأحداث بالقاهرة، من مكتبه بقسم الأزبكية، أن يكون قد ثبت قيام الأحداث بقسم الأزبكية - كما أشيع مؤخرًا- بالاعتداء على قوات الأمن برشقهم بالحجارة. وأكد العقيد خالد أن أطفال الشوارع المحتجزين بالقسم تم التحفظ عليهم، وأن قانون الطفل يحتم على شرطة الأحداث التحفظ على الطفل فى حال وجوده فى الشارع معرضًا للخطر، وأن النيابة أمرت بإخلاء سبيل جميع الأطفال المتواجدين، وعلى الأهالى أن يحضروا لاصطحابهم، مضيفا: "من لن يتعرف عليه أحد سنودعه مؤسسات الرعاية الاجتماعية بالدولة". وذكر العقيد عبد العزيز أن مشكلة أطفال الشوارع أصبحت تشكل خطورة على المجتمع، خصوصًا بعد اشتراكهم فى الأحداث الأخيرة - على حد قوله - مضيفًا أنه على المجتمع أن تتضافر جهوده لمواجهة هذه المشكلة، وأشار إلى أن مؤسسات رعاية الأطفال تحتاج إلى نظرة من الدولة، لأنها لا تكفي أطفال الشوارع الذي يتزايد عددهم يوما بعد يوم. وقال العقيد عبد العزيز، إن الأهالي الذين فقدوا أطفالهم فى الأحداث الأخيرة ولا يعرفون طريقهم عليهم التوجه إلى قسم الأزبكية، رافضًا الإفصاح عن أسمائهم لأن هذا يخالف للقانون. "بوابة الأهرام" التقت خمسة أطفال أصغرهم طفلة عمرها أربعة أعوام، وأكبرهم طفلة عمرها 13 عامًا، وسجلنا مأساتهم بالصوت والصورة، وحفاظًا على هويتهم، ظللنا وجوههم. "حنين" طفلة لم يتعد عمرها 4 أعوام، طفلة نحيفة، تنام على "البورش" ومحتجزة فى الحبس مع اختها سحر بقسم الأزبكية، عيونها صغيرة ضيقة، وجهها متناسق، وشعرها حليق ومقصوص بشكل عشوائي، وكأن أحدًا عاقبها بهذه القصة، ترتدي "تى شيرت" خفيف ممزق من على أذرعها، شفاهها جافة. سألناها "بتاكلي كويس يا حنين؟" ردت بصوت خافت واهن "آه بيأكلونا فول"، واستطردت قائلة: "أنا ببيع لبان فى القطر بتاع إسماعيلية علشان أمى تسد ديونها.. عايزة تشترى بوتاجاز وتلاجة.. وهى عندها بوتاجاز وتلاجة بس عليها ديون، وعندى إخوات كتير، وأخذت "حنين" تعد عدد أخوتها على أصابعها، يوسف ودينا ودُنيا، ومحمد، وعبد الرحمن..الخ". كان لافتًا لنا وجود "حنين" مع شقيقتها سحر، التى تكبرها بتسع سنوات كانت تحتضن شقيقتها الصغرى وكأن كلتاهما تتدفأ فى الأخرى وتحتمى بها، عيونها كانت مملوءة بالدموع، ولما سألناها عن قصتها قالت والدموع تنساب من عينيها: أنا ببيع المناديل أنا وأختى الصغيرة فى قطار الإسماعيلية- القاهرة.. أنا عايزة أروح البيت، الواحد بردوا ما بيستريحش إلا فى بيته"، ولما سألناها لماذا تحفظت الشرطة عليك أنت وشقيقتك؟ ردت "أنا بركب قطر إسماعيلية- القاهرة كل يوم ذهابًا وعودة مرة أخرى إلى الإسماعيلية، وعندما يقف القطار فى القاهرة بننزل ناكل ساندوتشات ونرجع نركب القطر تاني، بس هما قبضوا علينا بدون سبب"، سألناها "وهل عرف أهلك بمكانكم؟، قالت: بنت عمتى كان مقبوض عليها معانا وخرجت لأنها كبيرة، وأخبرتني أنها سوف تبلغ أمي بمكاننا حتى تأتى وتأخذنا "وأردفت قائلة: "بس الباشا قال لى إنهم هيسفرونا يوم الأربعاء إلى الإسماعيلية". محمد أو كما يقول اسمي الحقيقى فاروق واسم شهرتى محمد من البحيرة، جاء أيضا بالقطار هاربًا من أهله لم يكن حاله أفضل كثيرًا من حال باقى الأطفال، هرب من أهله بعدما نكل به صاحب ورشة الكاوتش التى يعمل فيها، ولما سألناه "ولماذا تركت الورشة يا محمد؟"، قال "صاحب الورشة كان بيضربني وبيعذبني، ولما قلت لأهلى مش عايز أروح الورشة، هما كمان ضربوني وكانوا عايزينى أروح للورشة تاني بالعافية، فهربت منهم"، وأردف قائلا وجسده يرتعش وعيناه دامعتان "بس أنا عايز أروح لأهلى، ومش ههرب منهم تانى بعد اللى أنا شوفته فى الشارع، أنا كنت بنام فى جامع السيدة زينب وبعدين الشرطة مسكتنى وجابونى هنا" ثم فاجأنا محمد بقوله "أنا تعبان قوى وبطني وجعاني وسخن، ولما وضعنا أيدينا على رأسه وجدنا حرارته مرتفعة، فطلب العقيد خالد عبد العزيز، سيارة إسعاف له، وطلب من فرد الأمن أن يحضر لمحمد دواء خافض للحرارة. أما محمد من البساتين، فيبلغ من العمر 8 سنوات، هرب من أمه، التى تزوجت من رجل آخر بعد وفاة أبيه، رفض التصوير معه بحجة أنه يخاف من الكاميرا، وبسؤاله عن سبب وجوده فى قسم الأزبكية، قال: أمى طردتنى لأنى ضربت شقيقى الصغير ابن زوجها الثاني وعشت فى الشارع ليومين ثم تحفظت عليّ الشرطة، ووضعوني فى ميكروباص"، وسألناه وهل تريد العودة لمنزلك؟ قال محمد "أيوة عايزة أرجع لأمى". طقل آخر يدعى أحمد - 7 سنوات - من البحيرة، جاء إلى مصر بالقطار ولا يعرف مكان لأهله ويتذكر بالكاد اسم قريته "أبو بلح"، وقال أحمد "أنا كنت لابس نضيف ورايح فرح وركبت القطر، بس قبضوا عليّ.. أنا نضيف والله"، واستطرد أحمد قائلًا: "فى الحجز فيه ولد أخد هدومي منى، واداني هدوم تانية مش نضيفة"، وكان لافتا لنا أن أحمد يمشى حافيًا، وقدماه كلها جروح متسخة بالطين.