"أنا لست من رأيكم ولكنني سأجتهد من أجل قدرتكم على القول بحرية". فولتير. منذ فترة ليست بالقصيرة؛ توقفت عن إبداء رأيي بشأن أي شيء أو أي شخص، ما لم يطلب مني بشكل صريح إبداءه، شرط أن يكون الشخص الآخر لديه من السلام النفسي ما يجعله يتقبل رأيًا قد لا يتفق معه دون أن يتحول الأمر ل"زعلة" و"خناقة". بينما كانت شخصيتي تتشكل؛ تعلمت أن الإنسان عبارة عن أفكار متعددة، تشكل شخصية ما، هذه الشخصية قابلة للتطوير طوال الوقت، ومادام الإنسان يتنفس فهو بلا شك قادر على تطوير نفسه وإحساسه بمجتمعه، وإعادة النظر في معتقداته. وتعلمت أيضًا أن الإنسان السوي فقط يستطيع أن يتراجع عن معتقداته حال إدراك فسادها، بل والاعتذار عنها إن استدعى الأمر، لكن التعنت والتشدد ليس من سمات الإنسان لا السوي ولا الذكي، ولنا في هذا الأمر عشرات الأمثلة. جبلت بعض المجتمعات أبناءها - لن أقول الشرقية أو الغربية - على أن الاعتذار من شيم الضعيف، عندما كنت طفلا قرأت أبشع الصفات عن الرجل الشرقي، الكاذب، غير الآسف على شيء، الذي لا يخطئ، لكن مع مرور الزمن وتعمق خبرتي؛ أدركت أن تلك الصفات مشكلات نفسية لا علاقة لها؛ لا بالرجل، ولا بالشرق. آراء بدت بسيطة غير مقبولة في البداية تعمقت حتى شكلت أزمات عابرة للزمكان، آراء كونت تشددا وإرهابا، تسببت في قتل مواهب، ووأدت بنات، وأنهت آمالا، وأشعلت حروبا، فعدم تقبل الآخر ومحاربة الكلمة بالرفض التام كون بلا شك حالة من الكره المتجدد تجاه كل شيء. أعرف أشخاصًا لا تجمعنا جلسة دون أن يسب أي شيء وأي شخص يمر في طريقه، أفكار ليست مشكلتها الوحيدة أنها متكررة، بل إنها أضحت شيئا عاديا في كل مجلس. ضبطت عددا من أصدقائي أكثر من مرة يدافعون بتشدد عن أحد آرائهم بدعوى الحرية، وخلال دفاعهم رفضوا رأيي! من منظور آخر، "لكل فعل رد فعل"، لكل كلمة أخرى مضادة، لكل فكرة تفنيد، لكل فيلم أو مسرحية نقاد، ولكل فقه علماء في الدين، الأمر لا يستدعى كل هذا الكم من الكره والحشد والعنف والتطرف، تذكر دوما أن الحياة تأتي في تسعة أشهر وتذهب في لحظة، فما الداعي؟ رغم أنني لست بارعا في الأرقام؛ لكنني قرأت مرة "نظرية 1%"، التي تدعو للأخذ دوما في الحسبان أنك ربما تكون مخطئا في آرائك بنسبة 1%، ما يجعلك تخلق مساحة للآخر؛ تلك النسبة رغم ضآلتها دفعتني للتفكير مليا قبل أي نقد حاد، أتذكر دوما أن الحياة مليئة بتفاصيل شديدة التعقيد، وما يبدو مستحيلا لي؛ له ما يبرره عند الآخر. تسامح واسمع وتعلم. الحرية كلمة فضفاضة تقبل الجميع ولا تقصي أحدا، لا تقصي أي شخص سوى ضيقي الأفق الذين لا يعرفون عن الحرية سوى حريتهم في الاعتراض على الجميع. تذكر دوما أنه ليس من حق شخص، أي شخص، أن يبدي رأيه فيما لم يطلب منه، وأن الإنسان قادر على التطور ما وجد إلى ذلك سبيلا.