قد يصرخ ويشتاط غضبا إذا أخبره أحد أنه لا يوقر ربه، فهو يجهل أن خداعه للمقربين له واحد من الأمور التي تباعده عن تقديره لله حق قدره، فكثير من التجار نراهم حريصين على صيام رمضان، ويتلاعبون بالأسعار، وهم في حقيقة الأمر لا يعظمون فريضة المولي عز وجل، ومهما ساقوا من حجج ومبرارات فلن يقبل منهم الصيام. ويعد شهر رمضان أكبر فرصة ذهبية لتدريب النفس ولتقويم السلوك على إجلال الله، ووضح لنا الرسول الطريق في حديثه الشريف: "أتاكم رمضان شهر يغشاكم الله فيه.. فينزل فيه الرحمة.. ويحط الخطايا.. ويستجيب الدعاء.. ويباهي بكم الملائكة.. فأروا الله من أنفسكم خيرا.. فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله". والصيام من أيسر الطرق إلى تعظيم قدر الله في النفس، فيتجلى فيه معنى التدبر والتأمل في آيات الله، وتمجيد صفاته كما يليق بوجهه الكريم، وفرصة عظيمة لتذكير النفس بأنعم الله على مخلوقاته والتبصر في أنفسنا كما أمرنا، ويتجلى فيه إعلاء فضيلة قراءة القرآن الكريم والتفكر في معانيه، ويمثل إحدى الوسائل الهامة لتوقير الله سبحانه وتعالى. فالمجاهرة بالفطر في شهر رمضان تعد انتهاكا لحرمة الله، والتقوى في القلوب لا ترسخ إلا بتعظيم شعائر الله، فلا يستخف المسلم بحسن صيام وقيام رمضان، فكثير ينزلقون إلى أفعال تفسد صيامهم، ظنا منهم أنها من العادات المألوفة، كترويع الآخرين بإلقاء الألعاب النارية أو الإصرار على السخرية من الغير، أو النظر إلى محرمات الله. وتدريب النفس على تعظيم وإجلال الله، يسوق صاحبها إلى الحياء من رب العالمين، ومن شأنه يتبعه استحضار مراقبة الله له في جميع شئونه. وإذا دأب المسلم على إلزام نفسه على هذه المعية الإلهية، جعلته في ضمان دائم لسلامة قلبه، ويستشعر كذلك صدق إيمانه، كما في قوله تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). أما السالك للاتجاه المعاكس فيضل الطريق، ولا يستحي من ربه، ولا يتقيه، فهناك جاهل بأن فعله هذا بتناقض مع توقيره لله جل شأنه، ومن ناحية أخرى يصر شخص على سوء فعله مع سابق علمه أنه لا يبالي بأمر إجلال الله أو توقيره. وفي الحالة الأولى من السهل تصحيح بوصلته، وتقديم له النصيحة والقدوة الحسنة، وفي الحالة الثانية الأمر يكون أكثر صعوبة، ونحتاج إلى توفير بيئة صالحة له وصحبة طيبة ترافقه، والنصح له بشكل غير مباشر وبأسلوب عملي. ومن يعظم أوامر الله ونواهيه فقد قدس المولى وأجله، وسؤال الله في كتابه الكريم: (مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) جاء لمخالفتكم لأوامره، أو بمعنى آخر أنكم لا ترجون من الله ثوابه، ولا تخافون عقابه. ولا يزال المسلم في حياته يجاهد تجنبا من الوقوع في المعاصي، وإذا زل سارع إلى طلب المغفرة والتوبة من الله، فهو بذلك نجا ولم ينحرف عن رحمة الله، وما زال في معيته، ويستحق الرضا من خالقه لتوقيره بما أمره به ربه ورسوله. Email:[email protected]