لا اعتقد أنه غاب عنا في يوم من الأيام كان دائمًا حاضرًا بشخصه وفكره ومواقفه وقبل هذا بإنسانيته.. لم يكن الأستاذ هيكل إنسانًا عابرًا في حياتنا وعقولنا ومواقفنا لقد شارك في صياغة حياتنا، وظل حاضرًا فيها حتى بعد أن رحل.. في السنوات الأخيرة اقتربت كثيرًا من الأستاذ هيكل وكنا نلتقي على أيام متقاربة وكثيرًا ما كان يسأل عني إذا غبت قليلًا وحين كان يسافر كان يطلبني.. فى العشرين عامًا الأخيرة من حياتي كنا نلتقي كل أسبوع نتحاور وأحيانًا نختلف، وكان صدره يتسع للخلاف.. كان من الصعب أن أكون قريبًا من هيكل في مملكته في الأهرام كنا شبابًا ونتعامل معه مثل التلاميذ، ورغم العمر كان يشجعنا ويأخذ بأيدينا.. وحين ترك الأهرام ترك خلفه فراغًا كبيرًا، ومن هنا ذهبنا إليه في مملكته الجديدة التي ازدحمت بالعشرات من تلاميذه ومحبيه.. كان وجود هيكل يشعرني دائمًا بالأمان في الفكر والمواقف والرؤى، ورغم ابتعاده عن سلطة القرار وبريق المنصب، إلا أن سلطة القرار كانت تعمل له ألف حساب، وكان له دائمًا خيوط من التواصل والمودة مهما كانت الخلافات.. في قمة خلافه مع الرئيس الراحل أنور السادات كانت علاقته الطيبة مع السيدة جيهان السادات وأبنائها، وكان دائمًا مجاملًا مع أصدقاء رحلته.. كثيرا ما كنت ألجأ إليه في مواقف كثيرة، وحين دخلت المستشفى بسبب مقال توريث القضاء مصابًا بأزمة قلبية، فوجئت به أمامي وأنا في غرفة الإنعاش، وزارني أكثر من مرة.. أعترف أن هيكل الأستاذ والصديق والفكر والسنين مازلت افتقده في مواقف كثيرة، ومنذ رحل غابت عن عيوننا نقاط ضوء كثيرة.. لم يكن هيكل نسخة عادية من البشر حضورًا وفكرًا وثقة ودورًا وإنسانًا.. حاولت يومًا على استحياء أن أصلح بينه وبين رفيق مشواره الأستاذ مصطفى أمين ، وحين شاهدت الأستاذ مصطفى أمين في غرفة الإنعاش، وكان كل شيء قد انتهى، تمنيت لو أقنعت الأستاذ هيكل أن يزوره ولم أنجح.. في أوقات كثيرة أفتقد الأستاذ هيكل رأيًا ونصيحةً وفكرًا وموقفًا، وأشعر أنه مازال بيننا.. هيكل سيبقى الغائب الحاضر.. وإذا كنا نحتفل ب ذكرى ميلاد هيكل فمازال بيننا روحًا ووجودًا.. * نقلًا عن صحيفة الأهرام