د. هبة عبد العزيز تغير مفهوم المعجزة ، بتغير احتياجات الشعوب .. وتصورها للتخلص من أوجاعها المادية والمعنوية .. ففى القرن العشرين، ورغم التطور العلمى الهائل، كان ولايزال هناك أناس يدعون النبوة والألوهية أيضًا .. ويجدون أناسا يمشون وراءهم، إلى خارج المجتمع وإلى الخروج على القانون. وفى العصر الحديث ، حيث التنافس هائل بين الدول الكبرى، لا يكاد يظهر عبقري فى بلد حتى يظهر منافس له فى دولة أخرى إلى أن تراجع الهيئات العلمية والتربوية برامجها تمهيدًا لظهور عبقري أو محاولة لتخليق عبقرى، ولكن الدول الصناعية نفسها، لم تعد فى حاجة الى انتظار هذه المعجزة جاءت أو لم تأت ولذلك راحت تعوض نفسها عن الشخص المعجزة بألف من العلماء يعملون معا .. ويخترعون معا، ولهذا السبب لم نعد نسمع عن الذى اخترع الصواريخ والتلفزيون والسيارات و أسلحة الحرب فى الفضاء .. إنهم ما لانهاية لهم العلماء، كأن كلا منهم خلية فى عقل عبقرى واحد!. أما قديما فالمعجزة كانت مختلفة، فلم يعرف التاريخ طفلا معجزة مثل الموسيقار النمساوى موتسارت (17561791 ) لم يذهب الى المدرسة، وعلمه أبوه الموسيقى، فكتب أول سيمفونية وهو فى التاسعة من عمره، وحين بلغ الخامسة عشرة كان قد كتب بيده 558 صفحة من تأليفه، ولم يصدقوه، وحبسوه فى غرفة سدوا أبوابها وشبابيكها حتى لا تدخل العفاريت تكتب له!! أتوا ب الكتاب المقدس ووضعوه حوله حتى لا تقترب منه الشياطين، فكتب وأذهل العالم! وعندما ذهب إلى لندن، أتوا له بعدد من الأطباء ليكشفوا على قواه العقلية .. ولم يجدوا شيئا غير عادى، إذن العبقرية فى أعماق مخه، أين؟ لا أحد يدرى؟ وآمن الأطباء آنذاك بأن العبقرية هى ضخامة المخ! وفى القرن العشرين فتحوا دماغ أعظم علماء الفيزياء أينشتاين ووضعوا المخ تحت الاختبار، لم يجدوا شيئا غير عادى، إذن العبقرية نعمة من عند الله وفقط. وعندما أطلق الروس أول قمر صناعى، اهتزت الدنيا لأن معناه أن الشيوعية التى هى ضد الحرية وضد الفرد وضد الدين استطاعت أن تحقق ما لم تحققه الديمقراطية والحرية والأديان، وكان لابد أن تسارع أمريكا بإنقاذ شرفها أمام العالم فأطلقت سفينة ثم عدة سفن فضائية وهبطت على القمر قبل الروس وكأنه رد اعتبار، وفى الوقت نفسه عكفت أمريكا على مراجعة البرامج المدرسية والجامعية التى أخرجت العباقرة فى روسيا وتأخرت عن انجابهم أمريكا بجبروتها. أما حاليا فعباقرة الغرب فى العصر الحديث أذابوا المسافات وأصبح العالم كله بقعة واحدة من خلال مواقع التواصل الاجتماعى ثم غرق العرب فى ترف هذا التواصل الذى تحول كمصباح علاء الدين بلمسة واحدة من الإصبع يمكنه تحقيق أى شيء، من خلال شاشات الهواتف فى أى وقت ومكان. ولا أعلم الى متى سنظل مجرد مستهلكين للتكنولوجيا بلا هوادة، لقد استهلكت وقتنا ومضغت مشاعرنا حتى أصيب البعض بالإدمان والآخر بالهوس وتربص بنا الأعداء وباتوا ينشرون سمومهم كرياح خماسينية عاتية وأصبحنا فى أشد الحاجة الى معجزة تعيد لنا هويتنا وإنسانيتنا وتعلمنا آداب الدخول لمواقع السوشيال ميديا! * نقلًا عن صحيفة الأهرام