بعدما وافق مجلس الوزراء، يوم الأربعاء الماضي (8 يوليو)، على مشروع القانون المقدم من وزارة العدل، والذي يهدف للحفاظ على سرية بيانات المجني عليهم في جرائم التحرش والاعتداء الجنسي، وذلك بعدم إثباتها في المحاضر والأوراق المتداولة، والاحتفاظ بها في ملف فرعي بحوزة المحقق، على أن يعرض هذا الملف على المحكمة أو المتهم أو الدفاع عند الطلب، ويعاقب من يفشي هذه السرية ب المادة 310 من قانون العقوبات . عقبت وزارة العدل على أنه نظراً لعزوف بعض المجني عليهم عن الإبلاغ عن الجرائم التي وقعت عليهم خشية تأثيرها على سمعتهم والإضرار بها، فقد أتى هذا القانون. شخصياً أثمن هذا القانون وأرى أنه ممتاز، لأنه يحمي الضحية خصوصا لو كانت قاصرًا.. ويحمي بياناتها الشخصية، خاصة في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وإمكانية الحصول على صور وفيديوهات ومنشورات لكل ضحية فى حالة معرفة اسمها على شبكات التواصل الاجتماعي. وبالتالي مزيدًا من التربص بالضحية في حالة وجود كلمة مخالفة أو صورة غير مناسبة في أحد منشوراتها.. وقد يهجم بعض الناس على الضحية بتعليقات سخيفة أشهرها الجملة المتداولة: "إيه اللى وداها هناك؟!" على العموم، أعتقد أننا نحتاج إلى عدة مشاريع لقوانين أخرى مشابهة تحافظ على السرية فى قضيتين مهمتين أخريين ألا وهما قضية العنف المنزلى ، وقضية الجار السيء أو المخالف.. كيف؟! بعد إصدار مشروع القانون بساعات، قرأت تلك الكلمات على "تويتر" وكانت تحظى بالتفاعل والانتشار بعض الشيء: "ست جارتنا على صفحة ائتلاف السكان كتبت عاوزة نمرة تبلغ فيها عن عنف منزلي؛ لأن جارها بيضرب مراته وعياله يوماتي.. المهم كل الرجالة اللي دخلت على البوست شتمتها طبعاً، نوعية رجالة حست بالتوتر إن ممكن حد يتدخل ضد اللي راجل بيعمله فيما يخصه.. بعدها أنا جبت عصابة الستات وعملنا فيهم إيه بقا!!" معظم السيدات فى حالة العنف المنزلى لا يعرفن ماذا يفعلن؟! ولا أين يذهبن!! وكل ما تطلبه المرأة المعنفة أن تجد لها سنداً يحميها من عنف الزوج.. وفوق هذا أن تجد لها معينا يحميها من كلمات المجتمع القاسية. وفى الواقعة السابقة انهال بالتعليق على المرأة التي تستغيث داخل جروب ائتلاف السكان، قلة من الرجال يشتمونها ويسخرون من مبالغتها ويعنفونها هم أيضاً.. فيصبح الهم همين.. هم من الزوج وهم من المجتمع نتيجة التشهير بها. وهنا نحتاج إلى قانون بعدم نشر أسماء الضحايا المعنفات أسرياً.. وحماية للجيران أنفسهم الذين يرغبون بالشكوى ضد الزوج القاسي ولا يستطيعون.. هذا الأمر يجرنا إلى موضوع آخر وهو الجار السيء بصفة عامة وليس الجار الذي يعنف أسرته أو زوجته فقط. فالجار السيء.. يقوم بأشياء غريبة غير اعتيادية، لم يكن يألفها مجتمعنا في الأزمنة الماضية حينما كانت تسود القيم والمبادئ وروح التعاون على الجميع.. بالطبع لا يوجد زمن مثالي وكانت هناك مخالفات هي الأخرى.. ولكنها كانت أقل، حين كان أهل القرية يعرفون بعضهم، أو كان معظمهم أقارب ومعارف.. فالحياء والاحترام كان أعلى وأكثر. اختلف الحال وفقاً لدراسات علماء الاجتماع، نظير تغيرات كثيرة أهمها زيادة السكان، وبالتالى تحول الجار من أخ إلى ابن عم إلى فرد فى العائلة الكبيرة ثم إلى شخص غريب لا يعرف جاره نتيجة الانتقال بين المدن والقرى.. وسعي الإنسان عن مصادر جديدة للدخل.. عوامل عدة غيرت من طبيعة الجار.. فأصبح مثلا يقوم بالتكسير والتخبيط ليلاً.. نقل العفش في غير أوقات الإجازة الأسبوعية.. بناء بلكونات عريضة تقتحم على الجار خصوصيته أو تسد عليه منافذ الهواء.. بناء تل توار يعيق حركة الطريق للمارة.. وضع حجارة وسلاسل حديدية أمام الدور الأرضي حتى يستفيد هو فقط لركن سياراته. أمور كثيرة من بينها العنف الأسري – كما ذكرت - وتحويل الشقق السكنية إلى تجارية وتحويل الدور الأرضي السكني فى المدن الجديدة إلى محال تجارية... وغيرها الكثير والكثير. أمور غريبة لم تكن موجودة من قبل.. نظرًا لتقاعس الوحدات المحلية ومهندسي الأحياء عن إنفاذ القانون.. فيلجأ الجار للشكوى.. هنا نحتاج أن نحافظ على سرية الجار الملتزم الذى قد يشكو جاره المخالف في واحدة أو أكثر مما ذكرت سابقاً. نحتاج أن نحميه من السمعة التي تلتصق به بعدما يعرف الجميع أنه قد أحضر البوليس إلى جاره المخالف.. نحتاج أن نرفع عنه وصمة مجتمع يحوله من جار يطلب تنفيذ القانون إلى جار مؤذ "شراني" يحب يشتكي جيرانه.. بهذه السرية فإننا نحافظ على الوضع الطبيعي الصحيح للأمور.. لا أن ينقلب المنطق وتتشوه الصور. ثم تسير على التوازي من جملة: "إيه اللى واداها هناك".. جملة أخرى لا تقل خطورة على المجتمع "بقى يا رجل يا مفتري تشتكي جارك مهما عمل؟!" تويتر: @Tantawipress