افترقا على أمل باللقاء، لم يكن أحدهما يعرف هل تجمعهما الأقدار مرة أخرى.. كان الشقيق الأكبر قد أنهى دراسته الجامعية فى الهندسة وكان الأصغر قد أوشك أن يودع جامعته ولكن الدمار لحق بالمبنى العتيق للجامعة وتهدمت أركانها ومدرجاتها فوق الطلاب ومنهم من نجا بأعجوبة، كانت الأم قد رحلت تحت أطلال البيت العجوز وبجانبها الأب الذى لم يتحمل تلال التراب التى خنقت أنفاسه.. قرر الأخوان أن يهربا من الموت وكان نصيب الأكبر أن يأخذ مكاناً فى جرار قديم، بينما أخذ الآخر مكاناً فى إحدى ناقلات الخضار وفى لحظة وداع دامية افترق الأخوان وليس مع أحدهما شيء من عتاد الدنيا..لم يكن هناك عنوان يتفقان عليه ولكن الأخ الكبير اتجه إلى حدود تركيا، بينما تسلل الآخر إلى العراق ومضت بهما مسيرة الحياة، الأخ الكبير وجد عملاً فى إحدى المزارع التركية على الحدود مع سوريا والثانى انضم إلى قبيلة من الهاربين فى إحدى القرى العراقية.. مرت الأيام ثقيلة عليهما فلا أحد منهما يعرف مكان الآخر، كان الجيش التركى يعتدى على المزارع التى تنتشر على الحدود ويطارد العاملين فيها وكلهم هاربون من بلادهم..كان الأخ الأصغر قد لجأ إلى الحدود مع العراق وظل يبحث عن عمل شهوراً عديدة..ذات يوم تقدم رجل تركى غليظ الملامح وطلب من الأخ الأصغر أن يترك العراق ولديه عمل فى إحدى الدول العربية وسوف يحصل على راتب كبير بالدولار ووافق على الفور وبين آلاف الهاربين كانت سفينة عتيقة تحمل كل هذه الأعداد وتلقى بهم على شواطئ ليبيا ..على جانب آخر كان الأخ الأكبر قد ضاق بالعمل فى الزراعة حين جاءه صاحب المزرعة وهو ضابط تركى متقاعد وقال له إن لدى عملا لك فى احدى الدول العربية وسوف تقبض بالدولار.. وعلى ظهر سفينة عجوز هبط الآلاف على شواطئ ليبيا .. مع الدولارات التى كانت توزع كانت قطع السلاح تنتظر الهاربين ولم تمض ساعات حتى التحم الآلاف فى قتال عنيف شاركت فيه كل هذه الحشود..سقط الأخ الأكبر على الأرض غارقاً فى دمائه كانت أشلاء كثيرة لعشرات الجثث وسط زحام الموتى وجد جثمان أخيه الأصغر وضع يده على صدره وأغمض عينيه..ألم تكن أوطاننا أولى بنا.. نقلا عن صحيفة الأهرام