من سيدي براني ، أطلق الرئيس السيسي رسائل قوية وواضحة وضوح الشمس وحازمة لكل من يعي ويفهم ويتدبر القول، واستندت تلك الرسائل - في قوتها ووضوحها وحزمها - إلى ركائز ودعائم دولة قوية عفية وقادرة على حماية حدودها وعمقها الإستراتيجي في ليبيا وغيرها في مواجهة كل من يهددها ويسعى للإضرار بأمنها القومي، وأن مصر داعية سلام من موقع القوة وليس الضعف، كما قد يتصور بعض مختلي وضعاف العقول. وما رآه المتابعون من عناصر قوة لجيشنا العظيم، خلال تفقد الرئيس السيسي المنطقة الغربية العسكرية ، ليس سوى جزء يسير مما تحت يده من عتاد وأسلحة متطورة وعناصر بشرية مدربة ومجهزة على أحدث مستوى، ويتسلح جنود وضباط قواتنا المسلحة بعقيدة قتالية تجري منهم مجرى الدم تجعلهم على استعداد دائم للتضحية بأعز ما يملكون، دفاعًا عن ترابنا الوطني، ولا يقبلون اعتداء كائن من كان عليه ولا تهديده، فهم جند حق مبين أوفياء لوطنهم حتى الرمق الأخير. هذا الجيش - كما قال الرئيس السيسي - جيش رشيد يحدد متى وأين وكيف يُظهر مكامن قوته، ويرد الصاع صاعين لمن يلعب به رأسه ويفكر في مواجهته أو المساس من قريب أو من بعيد بأمننا القومي، الذي لا ينفصل عن الأمن القومي العربي، وهو معنى أكده وركز عليه الرئيس السيسي في مناسبات عديدة آخرها كان في سيدي براني . وظهر بجلاء رد الفعل العربي الداعم لما ورد في خطاب الرئيس السيسي ب سيدي براني إدراكًا منهم لهذه الحقيقة، وللخطورة التي تمثلها المطامع التركية في الإقليم، وتصرفات أردوغان الرعناء المرتكزة إلى منطق البلطجة والتدخل السافر في الشئون الداخلية للدول بلا حياء. ويؤكد ما سبق - على سبيل المثال - ما كتبه وزير الدولة للشئون الخارجية بالإمارات أنور قرقاش، على حسابه بموقع التدوينات القصيرة "تويتر": "أن تركيا استبدلت بعلاقات الجيرة والاحترام برنامجًا توسعيًا يرى العالم العربي فضاءً إستراتيجيًا للأحلام التاريخية". كما أظهر رد الفعل الدولي المؤيد لخطة الطريق - المطروحة من جانب مصر لتسوية الأزمة الليبية "إعلان القاهرة" رفض وقلق المجتمع الدولي من توجهات أردوغان ووقوفه إلى جوار طرف غير شرعي في ليبيا ، وحشده المرتزقة والإرهابيين للقتال ضمن ميليشيات فايز السراج ؛ التي يعاني المدنيون الليبيون أشد معاناة من ويلات وجرائم على يدها يوميًا، واستباحتها الممتلكات الخاصة والعامة، وإهدارها برعونة مقدرات وثروات ليبيا تنفيذًا لمخطط جماعة الإخوان الإرهابية التي ينتمي إليها السراج، فأروغان مدمن إشعال الحرائق والأزمات؛ حتى يظل داخل المشهد وليس خارجه، ويعالج مشكلاته وأزماته بالداخل بقيامه بمغامرات خارجية طائشة لإلهاء الرأي العام في بلاده. لقد رسم الرئيس السيسي - عبر خطابه الذي يستحق عن جدارة وصفه بالتاريخي وسيكون وثيقة مهمة يُشار إليها دومًا - صورةً دقيقةً وعميقةً لما يشهده الإقليم من توترات ومخاطر؛ نتيجة التدخلات الخارجية في الشأن الليبي؛ ممثلة في تركيا ومن خلفها قطر، ووضع النقاط فوق الحروف ومعها الخطوط الحمراء، وأن من يتخطى هذه الخطوط لا يلُومَنَّ إلا نفسه؛ لأن الرد سيكون قاسيًا ومدويًا، وأعاد الرئيس السيسي التذكير بثوابت راسخة في التحركات المصرية. ويتصدر هذه الثوابت أن مصر لم تكن ولن تكون دولة غازية، وليس لها أطماع؛ سواء في ليبيا أو غيرها، وأن ما يهمها أولًا وأخيرًا المحافظة على كيان الدولة الوطنية لدى الجارة الشقيقة ليبيا ، وأمن وسلامة مواطنيها، وأن مصر تمتلك الشرعية الدولية إذا ارتأت التدخل في ليبيا ، وأن دبلوماسيتها معتمدة على تقديم الخيار السياسي كحل للأزمات الناشبة في الإقليم وخارجه، وأن لجوءها لمجلس الأمن - فيما يخص أزمة سد النهضة مع إثيوبيا - يندرج ضمن حرصها على المسار الدبلوماسي والتفاوضي، وأن الحِلم ليس ضعفًا، ويخطئ من يحسب أن الصبر يعد ترددًا. ومن بين الجوانب الأساسية الواجب الالتفات إليها بشكل خاص في خطاب الرئيس السيسي ، أنه وضع كل طرف في حجمه ووزنه الحقيقي والواقعي، وكذلك أمام مسئولياته، وأن المجتمع الدولي مدعو ومطالب لاتخاذ موقف لا لبس فيه تجاه الانتهاكات التركية للمواثيق والأعراف الدولية، وتعمد أردوغان إثارة التوتر في منطقة شرق البحر المتوسط، سعيًا خلف خزعبلات وأضغاث أحلام إحياء أمجاد ومناطق نفوذ الإمبراطورية العثمانية الغابرة؛ التي اختفت من الخريطة السياسية منذ قرابة قرن من الزمان، فهو خطر داهم على الأمن والسلم الإقليمي والعالمي. إن أمن مصر القومي خط أحمر غير مسموح بتجاوزه، ومن يتجرأ عليه أو يقترب منه سيتم تلقينه درسًا لن ينساه، وسيعاقب عقابًا أليمًا، وستظل مصر شامخة وقوية بشعبها الملتف حول قواته المسلحة وقيادته السياسية الواعية.