كنا في حاجة منذ زمن بعيد أن نجلس مع أنفسنا.. وأن نتحاور ونراجع الأحداث والمواقف.. كنا في حاجة أن نناقش قضايانا ولكن حدث انشطار تحول إلى ما يشبه العزلة النفسية وخرجت أمامنا أشياء كان أخطرها الزحام والشيء الغريب أن ترى العزلة مع الزحام وربما يرجع ذلك إلى حياة التكدس التي يعيشها الإنسان.. إن البيت صغير والشوارع ضيقة وإذا استخدم الإنسان وسائل النقل العادية فالناس فوق بعضها وإذا استخدم سيارته فالشوارع لا تطاق وإذا ذهب إلى عمله فالمكاتب فوق البشر.. وإذا عاد إلى البيت فالطعام زحام وإذا جلس أمام التليفزيون فالشاشة زحام وكان من الضروري أن يهرب الإنسان من هذا التكدس ويخلو إلى نفسه قليلا ولأنه لا يجد من يتحدث معه في الأسرة أو العمل أو الأتوبيس فقد اختار أن يفكر وحده وأن يخاطب نفسه وبدأت الأزمات النفسية التي تشبه الجنون وأصبح من السهل أن تجد إنسانا يكلم نفسه في الشارع والبيت والعمل.. لقد هرب الإنسان إلى نفسه وأصبح يشكل عالما منفصلا عن الآخرين.. ومن هنا أصبح الزحام والتكدس من أهم سمات إنسان هذا العصر وفقد إحساسه بنفسه ووجد حياته مشاعا بين بيت مكدس وشارع مزدحم وعمل يشبه تجمعات القرود.. وكان من الضروري أن يتمرد الإنسان على هذا الواقع الكئيب ووجد فرصته في هذا السجن الاختياري مع كورونا ولهذا اختارت أعداد كبيرة من المصابين ألا يخطر أحداً بذلك وأن يختار مكانا ربما في بيته أو أي مكان آخر ولا يتصل بأحد ولا يعلم عنه أحد شيئا.. لقد هرب من الزحام والتكدس وجلس مع المرض في غرفة واحدة قد يفتح مع كورونا بابا للحوار وقد يسمعه هذا الفيروس اللئيم وقد يجد وقتا يراجع فيه نفسه وحياته وما بقي من العمر وأنه يشعر أن أمامه خطوات تبدو قصيرة إلى النهاية وهناك إحساس أن الأزمة عبرت وأن عليه أن يبدأ من جديد رحلة جديدة وعمراً جديداً فقد انتهت رحلة الزحام والتكدس بهذا الفيروس القاتل ومن حقه أن يعيش حياته كما يحب.