على الرغم من أن الدستور الأمريكي يمنع التفرقة بين الناس على أساس اللون أو الجنس أو الدين أو غير ذلك، فإن العنصرية مغروسة في قلب معظم الأمريكيين، وما تسبب فيه مقطع فيديو لشرطي أمريكي أبيض - في مدينة مينيابوليس - وهو يحتجز رجلًا من أصول إفريقية يٌدعى " جورج فلويد "، وهو يضع ركبته على رقبته والضحية تصرُخ "لا أستطيع التنفس" وبعد أن شهد تداولًا واسعًا على السوشيال ميديا وباقي وسائل الإعلام التقليدية، وخاصة بعد الإعلان عن وفاة الضحية " جورج فلويد " في وقت سابق، وأن المباحث الفيدرالية الأمريكية مازالت تٌحقق في مٌلابسات الحادث.. وأن الأحداث دائمًا تثبت بذور العنصرية، وأنها ما زالت كامنة في النفوس، وأن جذورها أعمق من أن تنتزع برغم كل قوانين المساواة والحرية واحترام حقوق الإنسان، فيمكن للعنصرية أن تحرك هذه الكوامن لتصبح ربيعًا أمريكيا.. نعم لقد تشكلت الولاياتالمتحدةالأمريكية في بدايتها من عناصر أوربية كان الغالب عليها هو العرق الأبيض، شنت هذه العناصر حملة إبادة شاملة ضد سكان القارة الأصليين من الهنود الحمر ، وفي الوقت الذي كان فيه المقاتلون الأنجلوساكسون يتنافسون على من يقتل أكثر من الهنود الحٌمر، كان أقرانهم من التجار والبحارة يجوبون شواطئ إفريقيا لاختطاف أكبر عدد من الرجال السود الأشداء. وهكذا فإن الولاياتالمتحدة قامت أساسًا على إبادة السكان الأصليين لإفساح المجال أمام المستوطنين الجدد من ناحية، وجلب أكبر عدد من الأفارقة وتحويلهم إلى عبيد لتعمير القارة الجديدة من ناحية أخرى؛ أي إن الإمبراطورية الأمريكية ارتوت من منبعين الأول هو دماء الهنود الحمر والثاني هو عرق الأفارقة؛ فالطريقة التي شُحن بها الأفارقة كالحيوانات في السفن - والتي كانت تتسبب في وفيات تزيد على 50% - ترمى جثثهم في المحيط، ثم بيع من بقي حيًا منهم، وتم استعباد أطفالهم وقٌتل كبار السن الذين صاروا عديمي الفائدة، وتم استخدام فتياتهم للمتعة.. كلها نماذج من العنصرية المٌتجذرة في الشخصية الأوروبية.. ويعتقد البعض أن العٌنصرية انتهت مع تحرير العبيد أيام " أبراهام لنكولن "، لكن الحقيقة أن العنصرية لم تنته رسميًا وقانونيًا إلا بعد حملة الحريات المدنية بقيادة " مارتن لوثر كنج " في ستينيات القرن الماضي؛ حيث كانت تتم معاملة المواطن الأمريكي الأسود كمواطن من الدرجة الثانية بعد تحريره من العبودية إلى أن تم إلغاؤها منذ 50 عامًا.. ما شهدناه في الشارع الأمريكي خلال اليومين الماضيين هو مجرد أحداث تأخذ مجراها في الشارع الأمريكي، وتروي ظاهرة واضحة حول العنصرية التي مازالت تمارس ضد السود من جهاز الشرطة أو الأجهزة الحكومية الأخرى، ولم تكن حوادث من أمثال "رادني كينغ"؛ التي حدثت في مطلع التسعينيات في لوس أنجيلوس، والتي سببت مظاهرات في أكثر من 28 مدينة أمريكية عكست في مجملها الصورة التي تعاني منها الأقليات في الولاياتالمتحدة. بالإضافة إلى حوادث عنف مشابه حدثت في ميامي عام 1980 وسببت دمارًا اقتصاديًا هائلًا، وحوادث 1967 في ولاية نيويورك وأحداث فيغرسون 2014، وآخرها أحداث بالتيمور 2015.. إذ يعتقد كثيرون من الأمريكيين السود أن الحقوق المدنية التي حصلوا عليها في أواخر الستينيات لم تٌغير من وضعهم بشكل جذري، وربما أن المستفيد الوحيد لذلك هم السود من الطبقة المتوسطة، لكن الباقي ظلوا يعانون من العنصرية والفقر والبطالة والأمراض الاجتماعية، وبمجرد النظر إلى الإحصائيات نرى أن السود مازالوا يعانون نفس المشكلات التي عانى منها أجدادهم، فبرغم أن 40% من مجموع الشرطة هم من السود منذ عام 1970، فإن الوضع لم يتغير بالنسبة للعلاقة بين السود ورجال البوليس.. أما من ناحية الوظائف فنسبة بطالة السود تٌقدر بثلاثة أضعاف البيض، وبالنسبة للمدن الكبيرة نرى أن الفقر المدقع من نصيب السود.. فثلث السود في الولاياتالمتحدة يعيشون تحت خط الفقر الذي سنته الحكومة, وأما من ناحية الأجور فالسود يتقاضون أجرًا أقل من البيض بمعدل 58%, هذا يعني إذا حصل الأبيض على 100 دولار فالأسود يحصل على 42 دولارًا فقط؛ ونتيجة لهذه الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية نرى أن الكثير من السود يعيش في الشارع؛ مما يؤدي به الأمر إلى السقوط في الجرائم والسجن.. فبرغم أن السود يمثلون 15% فقط من عدد السكان، لكن في السجون يمثلون النصف أو أكثر، وبالإضافة إلى كل ذلك فإن السود تكثر فيهم الأمراض بمقدار ثلاثة أضعاف البيض، ولم يعد من المستغرب أن مناطق السود في الولاياتالمتحدة - وهي الدولة العظمى - لا تزال أتعس وأفقر من أي دولة في العالم الثالث .. وللحديث عما يحدٌث في أمريكا بقية..