الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما زال سابحا في عالمه الطوباوي الفريد الذي نسجه ودشنه هو ومعه زمرة ضخمة ممن كانوا ضمن المغضوب عليهم قبل صعوده لسدة الحكم مستهل الألفية الثالثة، فعلى صعيد داخله لا اعتراف بوجود أزمات وللتأكيد على القوة المزعومة لمجتمع الأعمال، أعطى إشارة البدء لعدد من المشاريع عبر تقنية الفيديو كونفرانس في مقدمتها "جسر جناق قلعة 1915 " الذي سيكون الأطول في العالم، ولا يهم متى سيكون افتتاحه وأين مصادر تمويله وهل سيلحق بجسور دشنت، لكن لا يرتادها الكثيرون نتيجة المغالاة الباهظة في رسوم المرور بها خاصة مع تداعيات كورونا التي دفعت اقتصاد بلاده لغرفة الإنعاش. وسياسيا يواصل قمعه لمعارضيه ورغم أن قسما منهم علمانيون إلا أن سلطاته وأجهزته الأمنية دوما تبرر اعتقالهم بحجة ارتباطهم بالداعية الديني فتح الله جولين والقسم الآخر فموصفون بالخونة الانفصاليين في إشارة إلى قيادات وأنصار حزب الشعوب الديمقراطية الموالي للأكراد المثير في أمر هذا الرجل أنه خلال حملاته الضارية التي لا تتوقف على مناوئيه الذين يستهدفون نظامه لا ينسى وضع كل خصومه من أبناء وطنه في خانة المتآمرين الذين تحركهم قوى الشر بالخارج سواء بالقارة العجوز أو الضفة الأخرى من الأطلسي وفي هذا السياق لا تألو وسائل إعلامه جهدا في توجيه سهام نقدها اللاذع لمعشر الفرنجة سواء كانوا أوروبيون أو أمريكيون. لكن في ظل التحريض المستمر والعداء لكل الغرب يعود أردوغان ومن وراء الكواليس إلى تخفيف لهجته متمسحا بهم والدليل على ذلك أنه وخلال الاجتماع الافتراضي الطارئ لمجموعة العشرين في أواخر مارس، أخبر أردوغان زملاءه رؤساء الدول الغربيين بشكل أساسي أن اتفاقيات مبادلة العملات الدولية بين البنوك المركزية استجابة لوباء كورونا يجب أن تمتد لتشمل جميع بلدان المجموعة لتعزيز الثقة في الأسواق العالمية. ومع ذلك، فقد مر شهران تقريبا ولم يظهر هناك ما يشير إلى قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بتمديد هذا الخط الحاسم إلى أنقرة. ووفقًا للخبير الاقتصادي، غور غورسيس، "سيكون من المفاجئ أن نرى بنك الاحتياطي الفيدرالي يتخذ مثل هذه الخطوة لأن البنك المركزي التركي لا يفي بأي من معاييره" وقال توماس باركين رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، إن اتفاقيات مبادلة للعملات يتم إبرامها مع الدول التي لديها علاقة "ثقة متبادلة" بالولايات المتحدة وتمارس أعلى معايير الائتمان، مستبعدا وجود صفقة مبادلة للعملات محتملة مع تركيا . نفس الشيء فعله مع الاتحاد الأوروبي منتهزا احتفال الأخير بمناسبة "يوم أوروبا ، الذي وافق التاسع من مايو الجاري وراح يبعث بتهانيه إلى بروكسل داعيا إياها إلى الإسراع وضم تركيا إليها والتخلي عن ما اسماه التمييز والمواقف الإقصائية تجاه بلاده، بحسب وكالة أنباء الأناضول الرسمية . كذلك شارك وزير خارجيته مولود تشاويش أوغلو بالتهنئة وعلى حذو رئيسه طالب بقبول أنقرة في النادي الأوروبي "الذي سيكون أقوى لو كانت تركيا عضوا فيه، ولكان سيواجه بفعالية أكبر كافة الصعوبات وفي مقدمتها كورونا" أما الرد فكان التجاهل التام ولم تمر سوى أيام بعدها وجه رئيس المفوضية الأوروبية توبيخا وتحذيرا لحكومة العدالة والتنمية التي يقودها أردوغان أولا لسياستها الاستفزازية في شرق المتوسط والتحرش بالدولة القبرصية وثانيا لتأجيجها الصراع في ليبيا بإرسال مرتزقة للقتال في صفوف قوات الوفاق الليبية. إذن أردوغان ، يبدو وحيدا، حتى حملة التبرعات الوطنية التي أطلقها في مارس المنصرم لمساعدة ذوي الدخل المنخفض المتأثرين بالفيروس المستجد لم تثمر عن نتائج إيجابية إجمالا وهكذا لم يعد أمامه سوى استنزاف معظم الاحتياطيات الأجنبية للبلاد لإخماد الحرائق التي تسببت فيها الأزمات السياسية التي صنعها هو نفسه قبل غيره .