خرج علي باباجان، زعيم حزب الديمقراطية والتقدم "ديفا" (الشفاء) والاقتصادي التركي البارز عن صمته ووجّه من خلال تصريحات متلفزة، انتقادات قاسية إلى سياسات من كان رئيسه ومعلمه في إشارة إلى الرئيس رجب طيب أردوغان ، لأسلوبه "المفجع" الخاص بمعالجة تداعيات ال كورونا المستجدّ، والذي يعود إلى ما وصفه بتقلص الحيز المالي وتدهور احتياطي النقد الأجنبي لدي البنك المركزي، وضعف ميزانياته العمومية واستنفاد الأموال الاحتياطية، وتراجع الثقة في المؤسسات الحكومية". وبدلا من مواجهة الأخطاء الكارثية، وفقا لمراقبين ، بخطط عملية مدروسة وممنهجة تتسق مع الواقع ولا تجنح للشعارات والأماني الوردية كما يحلو لصهره وزير الخزانة والمالية ترديدها، يشهر أردوغان كما هي عادته سلاح المحاكم للنيّل من معارضيه بالزج بهم لساحات القضاء الذي لم يعد مستقلا باعتراف منظمات دولية والاتحاد الأوروبي، وهذا ما فعله نظامه ضد الإعلامي الشهير بشبكة "فوكس" الفضائية، "فاتح برتقال" فبزعم "نشرأقوال كاذبة والتلاعب بعقول المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي"، قدم أحمد أوزيل محامي الرئيس بلاغا للنيابات إسطنبول طالب فيه بسرعة محاكمته! جريمة "برتقال" وبالمناسبة ليست تلك المرة الأولي التي يتهم فيها بإهانه صانع القرار أنه استنكر وصف أردوغان " حملة التصدي للكوفيد 19 " الآخذ في الانتشار ، بأنها تأتي ضمن " الإلتزامات الوطنية" ، وهو المصطلح الذي يرتبط في أذهان الأتراك بالإجراءات التي أعلنها " مصطفى كمال أتاتورك للإستيلاء على ممتلكات تعود للأشخاص أو الشركات لتلبية احتياجات الجيش أبان تدشين الجمهورية قبل قرن تقريبا . ولأن معطيات عشرينات ووثلاثينات القرن المنصرم ، مغايرة تماما للحاصل الآن ، نوه برتقال عبر تويتر إلى أن الحكومة التي يقودها أردوغان ستتخذ ذلك ذريعة لإجبار أصحاب الأموال والأصول على تقديم المساعدة للدولة . وهكذا بات واضحا للقاص والدان كم صار يشكل "الداء لفتاك " تهديدا على استقرارها ، وغير صحيح أن الأزمة الراهنة فرصة لتعزيز سيطرتها على المجتمع ، ورغم أن النظام الرئاسي التنفيذي الذي جرى تطبيقه العام 2018، وبه أصبح أردوغان بالفعل هو السيد بلا منازع في البلد الذي يحكمه منذ العام 2002 ، إلا أن " الوباء الفيروسي " كشف هشاشتها ومع كل القيود التي فرضت على رئيس بلدية إسطنبول ، ها هو نفوذ إمام أوغلو يتمدد يوما بعد آخر يكتسب شعبية متنامية لم تستطع أجهزة الحكم وقفها ومنع اتساعها . الشيء نفسه ينطبق على رئيس بلدية أنقرة " منصور ياواش " الذي اصبح واحدا من ألمع أسماء حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة على الرغم من أنه لم يبدأ مشواره السياسي معه، إذ كان يمثل حزب الحركة القومية المنتمي إلى اليمين المتطرف حين تولى منصب رئيس بلدية منطقة " بيبازاري " التابعة للعاصمة في الفترة بين العامين 1999 و2009. ولكن على عكس الكثير من رؤساء البلديات المحليين، تميز ياواش بمساهمته الناجحة في تجديد " بيبازاري" ، محققا أقصى استفادة ممكنة من سمعتها في الإنتاج الغذائي وكذلك ترميم المباني التاريخية وتحويلها إلى متاحف، تلك الصورة الإيجابية التي يظهر بها تتناقض مع ما كان عليه " مليح جوكتشيك " صديق أردوغان وذراعه الايمن ، الذي تولى رئاسة بلدية أنقرة لفترة طويلة امتدت من العام 1994 إلى 2017 ففي معظم الأحيان كان جوتشيك، الذي حقق فوزا مطعونا فيه أمام ياواش باستحقاق الملحيات سنة 2014، محل سخرية واستهزاء من قطاعات تركية عريضة. عزز ذلك تأجيجه للتوترات مع المتظاهرين خلال فترة الاضطرابات التي اندلعت مع احتجاجات متنزه جيزي بارك بميدان تقسيم الشهير في العام 2013 ومثلت التحدي الأكبر ل أردوغان وزمرته الحاكمة، أيضا اتُهم بهدر الأموال على مشروعات فاشلة ما جعل مجلة "إيكونوميست" أن تصفه ب "الأحمق". أما الآن، يجد مواطنو أنقرة أنفسهم أمام رئيس بلدية تتعارض سماته الإيجابية مع سمعة سلفه المخجلة فبحلول نهاية العام 2019، تخلصت أنقرة من العجز في ميزانيتها بل وتحقيق فائض، والذي كان إرثا من فترة جوكتشيك، واستنادا لخبراء يقترب ياواش ورفيقه إمام أوغلو من الإطاحة بحقبة العدالة والتنمية . ففي استطلاع للرأي جري حديثا، تبين أن نسبة شعبية إمام أوغلو زادت من 48.8% إلى 54.5% أما ياواش فارتفعت حظوظه من 50.9 إلى 54.9 % وفي آخر أجرته مؤسسة ميتروبولى ونُشرت نتائجه مطلع العام الحالي أن شعبية إمام أوغلو ومعه ياواش تجاوزت أردوغان .