إذا كنتم تتذكرون.. البريطانيون درسوا هذا الخيار. كان يعنى الموت، الكثير من الموت، ولو حدث ذلك، لكان كارثة كبري. هكذا علق ترامب قبل أيام على استراتيجية مناعة القطيع أحد خيارات الحكومة البريطانية لمواجهة كورونا، وتقوم على ترك الفيروس ينتشر على أمل أن يصمد الأصحاء ويتساقط الضعفاء، ليشكل المجتمع بالنهاية مناعة ضد الوباء. تراجع رئيس الوزراء جونسون، ونبذ الخطة أو تبرأ منها، بعد الهجوم الكاسح عليها، فقد كانت تعنى موت مليون شخص من إجمالى 67 مليونا هم عدد البريطانيين. المفارقة المأساوية أن مناعة القطيع تتحقق عمليا، رغما عن الحكومات والشعوب والعلماء. الفيروس نفسه يتكفل بتنفيذها رويدا رويدا. الإصابات دخلت المليون الثانى والوفيات اقتربت من المائة ألف. تتبنى الحكومات استراتيجية الدفاع وليس الهجوم، لأنها لا تمتلك سلاحا أو لقاحا فعالا. كل ما تقدر عليه إقناع أو إجبار الناس للابتعاد عن مناطق وجود الوباء المحتملة بالتجمعات أو عند كبار السن. وبينما توقف سفر البشر وعملهم ولقاءاتهم، يتنقل كورونا بحرية ويفاجئهم فى كمائن بمناطق مختلفة وغير متوقعة، فيصيب هذا ويودى بحياة ذاك، دون أن يجد من يواجهه أو يضبطه متلبسا. هذا الواقع باق معنا ما لم يتم التوصل للقاح المنقذ، وبالتالى سيظل عداد الضحايا يرتفع، حتى ولو تراجع أو استقر لأيام قليلة، لأن إمكانية حدوث موجة نشاط ثانية وثالثة، محتملة بل مرجحة، كما حدث بالصين وسنغافورة. وبدلا من حصد كورونا للأرواح فجأة وفى وقت قصير، فإن جهود الحكومات تطيل المدة لكنها لا تمنع المحتوم. يقدر علماء أن الأمر سيستغرق عاما لإنتاج اللقاح، بينما يعتقد بعضهم أن نوفمبر المقبل سيحمل أخبارا سارة. بكل الأحوال مصير العالم، بأيدى العلماء وليس الحكومات رغم كل اجراءاتها. أبدى الناس، ومازالوا، امتنانهم للأطباء خط الدفاع البشرى الأول. نحن ممتنون أيضا للعلماء والباحثين العاملين فى صمت لتأتي شركات الأدوية الكبرى وتحصد المليارات نتيجة جهودهم. نتيجة المعركة مع كورونا وزمنها تحددهما المختبرات العلمية، ونظرية مناعة القطيع سيقضى عليها العلماء وليس الحكومات. كورونا فرصة لإعادة الاعتبار للعلم والعلماء.