رغم مآسي كورونا وتخبط نظام الحكم التركى في مواجهتها، إلا أن الأمر لم يمنع الساسة بالعاصمة أنقرة، من الأحاديث المتواترة غير المعلنة عن ما تدبره الجارة الروسية من سيناريوهات لإخراج تركيا تمامًا من المشهد السوري، وذلك بالنبش في أوراق التاريخ وإعادة قراءة " مغرضة" لحقبه القريبة نسبيا. فوفقا لما يدور من نقاشات بأروقة الأحزاب القومية اليمينية المحافظة وكذا الميديا المرئية والمقروءة في إسطنبول خصوصًا تلك الموالية لحزب العدالة والتنمية الذي يقوده الرئيس رجب طيب أردوغان، فما حدث من ملابسات خلال زيارة أردوغان الأخيرة تحديدًا لموسكو يوم الخامس من مارس الجاري، لا يمكن اعتباره محض مصادفات، وبالتالي لا يجب أن يمر مرور الكرام، فالمسألة ليست فقط لفت أنظار أردوغان والوفد المرافق بأمجاد الإمبراطورة كاترين الثاينة قاهرة أسلاف أردوغان، وهو المشهد ذاته الذي سيتكرر عند مرورهم أمام جداريات القياصرة العظام بممرات الكرملين، بقدر تذكير الضيوف ب "ماضيهم الأليم وكيف لقي أجدادهم العثمانيين الهزائم القاسية على أيدي الروس" فعليهم إذن الاتعاظ من دروس الماضي. الرئيس التركي بدوره استبعد تماما ما تردد عن إهانة مقصودة وجهت له معتبرا الحاصل ثرثرة إعلامية فارغة، لكن في المقابل هناك من أكد أن الإعلام الروسي أعلن الحرب الدعائية على بلادهم، يستدلون على ذلك بسيل المقالات والتحليلات المناهضة للسياسة الخارجية التركية خصوصا في ما وراء تخوم الأناضول الجنوبية. فكيف يمكن إيقاف أردوغان في سوريا ؟ أليس هذا ما طرحه إيفان أباكوموف، في صحيفة "فزغلياد"، حول ما ينبغي على دمشق عمله بشكل عاجل لوقف استباحة أردوغان لهذا البلد!!. و"طالما استمر أردوغان فى دعم الإرهابيين، فيجب على القيادة السورية دعم منظمة حزب العمال الكردستاني والاتفاق مع الأكراد مثلما كان الحال قبل اتفاق أضنة العام 1998 وإلا فإن الأمور قد تنتهي بشكل سيئ للغاية بأن يحتل أردوغان حلب"، هذا ما قاله حرفيا مدير مركز دراسات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، سيميون بغداساروف، لنفس الصحيفة معلقا على تصريحات أردوغان بأن العملية العسكرية الجديدة ضد الجيش السوري في إدلب مسألة وقت. لكن بغداساروف لم يكتف بذلك فحسب بل دعا دمشق صراحة إلى " المطالبة بعودة لواء اسكندرون، أرضها التي سلبتها تركيا بشكل غير قانوني بثلاثينيات القرن المنصرم بما في ذلك مدينة أنطاكية وهذا سوف يلهم العديد من السوريين، بما في ذلك المعارضة، فهو عنصر أساسي في القومية السورية". ولطرق الحديد وهو ساخن، وردًا على أطماع أنقرة لضم إدلب إلى أراضيها انبرت وكالة سبوتنيك الروسية واصفة في نسختها الإنجليزية، "هطاي" الحدودية بأنها " الولاية المسروقة"، وطرحت سؤالا: " لماذا منحت فرنساتركيا هذه المدينة الواقعة على أطراف سوريا قبل 80 عامًا؟" ثم مشككة في الأستفتاء المثير للجدل والذي جري في سبتمبر 1939 ولم تنس تأليب المواجع على الأتراك بتكيرهم أنه على أرض هطاي تم إبادة جماعية للأرمن، ولفتت إلى أن هطاي كانت تضم قبائل تركية وعربية وتركمانية وعلوية وأرمنية ويونانية، ولكن أنقرة أحدثت تغييرا ديموجرافيا لتتريكها؟ يذكر أن حكومة أردوغان اعتقلت الكاتب والأكاديمي البارز سدات لاجينير قبل خمس سنوات بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي، لا لسبب سوى أنه انتقد السياسة التي تتبعها حكومة أردوغان ب سوريا ، من خلال نشر صورة تظهر فيها مدينة هطاي ضمن الأراضي السورية معلقًا عليها: " آمل أن لا نفقد مدينة هطاي في الوقت الذي نسعى إلى ضمّ أجزاء من الأراضي السورية إلى أراضينا" !!. ولا يخف على القاص والدان أن ما ينشر الصحافة الروسية الحكومية، لابد وأن يأخذ الضوء الأخضر من السلطات النافذة بالكرملين، وما بثته " سبوتنيك " يأتي في هذا السياق، فمثل هذه الأمور الشائكة والحساسة التي تمس الأمن الإستراتيجي للبلاد لا تترك هكذا دون ضبط وتدقيق وموافقات ضمنية أن لم تكن صريحة قبل تناولها، ومن ثم فالثابت أن موسكو أرادت أن تبعث برسالة واضحة إلى أنقرة تقول إن تصرفاتها في إدلب و سوريا إجمالا غير مقبولة ويجب وقفها فورا!!.