لم تكن السماء تمطر عندما بدأ سيدنا نوح بناء سفينته، والأدهى أنه كان يبنيها في وسط الصحراء، أي أن الأزمات تدار قبل حدوثها، وفي علم إدارة المخاطر والأزمات التأخر في اتخاذ القرار قد يحول المشكلة لأزمة.. وخير دليل على ذلك ما حدث قبل وخلال وبعد أحداث 25 يناير، ولو اتخذ الرئيس الراحل حسني مبارك قرارًا واحدًا من القرارات التي اتخذها بعد الأزمة؛ لجنب مصر كل الكوارث التي نعيشها حتى الآن؛ لذا تتحرك الدول المتقدمة بلا تباطؤ، وقد كان نجاح الصين في مواجهة كورونا؛ هو نجاح للعلم والتخطيط السليم، والانضباط الشديد، والشفافية المدهشة. ونحن في زمن سيدهس كل من يحيا بالعشوائية، وكل من يعادي العلم، وكل من يتواكل بغير عمل جاد، المجدُ للعلم، والتحيةُ للعلماء، ويبقى الإنسان مصدرًا للسعادة حين يجد ويرتقي ويعلم ويتعلم، ومصدرًا للشقاء حين يتواكل ويتكاسل ويتناحر ويستبد ويتسلط. كل قرارات الدول على اختلافها لمواجهة انتشار فيروس كورونا كانت بدقة وفي الوقت المناسب طبقًا لتطورات الموقف ما بين الغلق والعزل التام والجزئي، ثم الحظر، ويبدو أن بروتوكول التصدي الصيني قد حقق بعض النجاحات، ولكن من المبكر أيضًا الحكم بهذا.. غير أن الخطوات المقبلة تظل غامضة؛ لأن العالم لن يصمد كثيرًا أمام إجراءات العزل في البيوت والمدن؛ لأن توقف الحياة تمامًا تعني الموت ولا تقارن باستمرارها مع سقوط ضحايا في نظر البعض. وقراءة في تصريحات جونسون عن وداع الأحباب وميركل لتوقعها لإصابة 70٪ من الشعب الألماني تعني أن الحياة ستستمر وسيسقط الضحايا بنسبة من المواطنين رغم الواجب الوطني باتخاذ كل التدابير التي نصت عليها بيانات منظمة الصحة العالمية انتظارًا لظهور الفاكسين؛ وببساطة لأن انتشار الفيروس على نطاق واسع كما تقول التقارير والسيناريوهات أكبر من قدرة أي دولة على التصدي. وفي التصدي للعاصفة الماضية أدارت الحكومة الكارثة بمهنية، وقللت من حجم الخسائر بقدر الإمكان عكس ما حدث في السنوات الماضية؛ والسبب كان لتشكيل لجنة ل إدارة الأزمة برئاسة رئيس الوزراء، وبالتالي أصبح لدينا خبرة، والمطلوب الآن لإدارة التعامل مع توابع فيروس كورونا تشكيل لجنة إدارة أزمات يقودها محترف إدارة وتتكون من أطباء متخصصين من ضمنها متخصص في محاربة الأوبئة مهمتها مراجعة ووضع خطط العمل لمواجهة الفيروس بأقل قدر ممكن من الخسائر؛ بشرط أي بيانات صحفية تنشر فقط من خلال هذه اللجنة، وكذلك المؤتمرات الصحفية.. ويمنع على أي من كان الحديث للصحافة أو الوقوف أمام الكاميرا غير المتحدث باسم هذه اللجنة.. والبيانات تتم مراجعتها وتدقيقها قبل خروجها لضمان عدم التضارب، وما أكثر الخبرات والكفاءات ومنهم موجودون في دولاب عمل الدولة كمستشارين، ولدينا أطباء قادرون على المواجهة باحتراف مهم و ضروري لبناء الثقة داخليا وأمام العالم. الموقف الحالي محتاج قيادات محترفة أكثر من الموظفين، ثم لجنة أخرى لنقل مصر للعمل والتعليم عن بعد كما يفعل العالم أجمع. وهناك سؤال بديهي.. ما الذي يمنع الجهاز الإداري للدولة من تقديم مستوى خدمي آدمي؛ خاصة أن معظم الخدمات تقدم مقابل رسوم؟ ما الذي يمنع نظافة الشوارع وإزالة أكوام القمامة ؛ برغم تحصيل رسومها بشكل منتظم على فواتير الكهرباء؟ ما الذي يمنع من تطوير الصرف الصحي ؛ برغم أن رسومه تحصل على فواتير المياه؟ ما الذي يمنع تحسين كل الخدمات التي تحصل عليها رسوم، غير غياب الإدارة والتنظيم والرقابة والمتابعة المستمرة.. جميعها بديهيات ولا تكلف الدولة شيئا ولا علاقة لها بأننا فقراء.