رغم الذعر الذى يجتاح العالم من فيروس كورونا فمازلت متفائلا بأن مصر ستجتاز تلك المحنة، فمعدلات الإصابة بالفيروس القاتل فى مصر أقل بكثير من الدول العظمى ذات الإمكانات الهائلة، فأعداد الإصابات اليومية فى ولاية أمريكية واحدة بالآلاف، والوفيات فى دول أوروبية متقدمة بالمئات يوميا، بل إن الفيروس أصاب شخصيات كبيرة فى دول عظمى، ودخل وزارة الدفاع الأمريكية"البنتاجون" ، وأصاب ضباطا وجنودا، واقتحم القصر الملكى فى بريطانيا، وأصاب ولى العهد، لكن لا ينبغى أن نركن ونستهين، اعتمادا على أن الإصابات لدينا محدودة بالقياس بدول عظمى كثيرة، بل علينا اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر مادام الفيروس قادرا على عبور الحدود والقارات، ودخول أعتى القلاع، وإرباك أفضل المنظومات الصحية فى بلدان متقدمة، وأن ننمى الإيجابيات التى ظهرت لدى جموع المصريين، فقد رأيت العناية والنظافة وإجراءات الوقاية فى الكثير من المؤسسات، وأن نواصل اقتلاع السلبيات، ونتخلى عن بعض العادات السيئة، ونقوى جهاز المناعة الصحية والاجتماعية والفكرية، فعلى سبيل المثال وجدت أن الدعاء بأن تحفظنا عناية الله له جانب إيجابي، ويرفع من طاقتنا الروحية، لكن ليس بالدعاء وحده يمكننا مواجهة الفيروسات، فالدعاء ليس معناه الارتكان والسلبية بل طاقة روحية إيجابية علينا أن نحولها إلى عمل صادق وملموس من الفرد والجماعة، وأن نكون متماسكين وعلى مستوى التحديات، ولدينا نموذج لما فعلته الصين، وحقق نتائج ناجحة ومبشرة للغاية بأن استخدمت التنظيم والإدارة مع التكنولوجيا والعلم، ولم يتذمرأويغضب عشرات الملايين الذين وضعتهم قيد الحجر الصحى لأسابيع ولا عائلاتهم، لأن هذا الإجراء لمصلحة العالم، ويحقق الفائدة للمجتمع، ويمنع انتشار الوباء إلى ملايين آخرين، فلا يمكن السيطرة عليه. ورأيت فى عموم محافظات مصر، وأنا أتابع الجهود الشعبية والحكومية، مبادرات رائعة من مجموعات من الشباب الجامعى والخرجين وغيرهم الكثير، سواء فى ظل جمعيات خيرية أو مؤسسات أو بالتنسيق مع أجهزة الدولة فى المحافظات، وهناك خطط مناسبة تضعها أجهزة الدولة، فى مقدمتها قواتنا المسلحة لتكون على أهبة الاستعداد. لكن بدون مشاركة وتعاون شعبى لا يمكن لمثل تلك الجهود أن تثمر، فالعدو خطير ولا يمكن رؤيته ولا تعرف متى وأين يمكن أن يضرب ولا بأى قوة، ولهذا لا يمكن إلا أن نكون فى منتهى اليقظة، وأن نعرف كيف نتفادى الإصابة بالوقاية، فهى أهم الوسائل وأقلها تكلفة وجهدا ، بشرط أن نأخذها على محمل الجد، بأن نمنع التجمعات ونقلل من الحركة قدر الإمكان خلال بضغة أسابيع قليلة، وأن نعزز الاهتمام بالنظافة والتعقيم ولا نترك أى ثغرة ولو صغيرة يمكن أن يتسلل منها فيروس كورونا اللعين، فلا أطعمة مكشوفة ولا مصافحة أو عناق، وتوفير أقنعة وقفازات ومواد تعقيم من الكلور والكحول، وأن نتعامل مع كل فرد نقابله وكأنه يمكن أن يكون مصابا مهما كانت درجة القرابة أو الصداقة، وأن تتعامل أنت أيضا وكأن العدوى قد أصابتك لا قدر الله.وأن تكون حذرا من أن تنقلها لغريب أو صديق أو أى شخص تتعامل معه، وعلينا مراقبة الأسواق بكل دقة، وأن نشيع ثقافة النظافة العامة ونحولها إلى سلوك دائم . فالنظافة هى خط الدفاع الأول، والتعقيم يزيدنا قدرة على المواجهة، وأن نتجنب الأطعمة والمشروبات غير المفيدة ونكثر من تناول الطعام الصحى فهو ما يزيد مناعتنا، ويجعل أجسامنا قادرة على منع الفيروس من اختراقها. إن الخطوات المهمة ،التى اتخذتها الحكومة والمتعلقة بالحد من التنقل والزحام والتى وصلت إلى فرض حظر للحركة ،هى إجراءات من أجل سلامتنا جميعا، وعلينا أن نحث الجميع على احترامها، وليس فقط أن نلتزم بها بشكل دقيق ، فكل خطوة مدروسة بعناية وتتناسب مع حجم الخطر، وأن نعتبر أنفسنا فى حرب وعلى الجبهة الأمامية، مثل الأطباء وأطقم التمريض وجهود عدد من قطاعات قواتنا المسلحة، وأن نكون معهم وإلى جانبهم، فى معركة مهمة وكبيرة، وألا نستهين بفيروس لا يمكن أن نراه بالعين المجردة، فقط رأينا ما فعله بدول لديها إمكانات هائلة. وسبق لمصر أن تعرضت للعديد من الأوبئة التى حصدت أعدادا هائلة من الأرواح، لكن وعينا وتضامننا وتماسكنا يمكن أن يحمينا ويجنبنا دفع تلك التكاليف الضخمة، وأن نحث جميع القادرين على التبرع بشراء أجهزة ومعدات تعقيم ومطهرات وأقنعة وأسرة للعناية المركزة يتم توزيعها على عدد من المستشفيات المؤهلة لإنقاذ المصابين، فالسرير الواحد يمكن أن ينقذ عدة أرواح. وسعدت بمبادرة وزارة الأوقاف بإيقاف بعثة الحج الرسمية والتبرع بالأموال المخصصة لها من أجل صحة وخير أبناء مصر، فالثواب لا يقل عن الحج فى مثل هذه الظروف، فالله يجازى كل من يفعل الخير ويعطى بدون حساب، وأتمنى أن تكون مبادرة وزارة الأوقاف نموذجا يحتذى من مختلف الجهات الحكومية والشعبية، وأن نرى نموذجا للتضامن الاجتماعي، يحظى باحترام وتقدير العالم، ويكون نموذجا لأبنائنا فى الوطنية وحب الخير، وترسيخ العادات والقيم الإيجابية، لأنها الطريق الوحيد للانتصار فى معركتنا من أجل الحياة والسلامة، حتى نستطيع أن ننجز ونحقق طموحاتنا فى التنمية الشاملة، وأن يكون العلم والصحة والقيم أهم لبنات التقدم والرقى الذى ننشده. إننى على يقين بأننا قادرون على تجاوز تلك المحنة، إذا ما أزحنا الأتربة التى غطت على قيمنا الأصيلة ومخزوننا الحضارى، وأن نكون على قدر التحديات ونقدم للعالم مصر الأصيلة المتمسكة بالمبادئ، ونحترم النظام ونعمل على سلامة الجميع ونعين الضعيف والمريض، ويقف الغنى إلى جانب الفقير، فالأذى يمكن أن يلحق بالجميع. ولعل تلك المحنة تكون فرصة من أجل إعلاء القيم الإيجابية، لنخطو نحو الأمان والتقدم بثقة فى قدراتنا، وأن نمد أيدينا إلى كل البشر، لأننا جميعا فى كوكب واحد وأمام عدو واحد يهدد الجميع بمختلف أقطارهم وأعراقهم وأديانهم.