بعد طول انتظار تخلله سيل من الإشاعات والتي وقفت وراءها وفقا لمراقبين "الميلشيات الإلكترونية الأردوغانية" نسبة إلى الرئيس رجب طيب أردوغان وتنبأت مسبقا بفشله، وتسريبات ليست بعيدة عن أروقة القصر الرئاسي بالعاصمة أنقرة، أكدت بدورها أن الكيان السياسي "الخائن" - طبقًا للنعت الأردوغاني - المزمع تدشينه مات قبل أن يُولد. وها هو "علي باباجان" الاقتصادي التركي البارز ووزير الخارجية الأسبق ينهي أخيرًا هذا السجال الذي وصفه مقربون منه ب"العقيم والمشبوه"، معلنًا انطلاق حزبه الجديد " الديمقراطية والتقدم " منتقيا عن عمد أربعة حروف من اسم الحزب "بحيث شكلت كلمة "ديفا" أي "الشفاء" باللغة التركية. أذن باباجان والذي كان حليف الأمس، يريد "شفاء" تركيا من أردوغان محور أزمات البلاد يدلل على ذلك هو "أن الوضع فيها يسير على عكس ما نرجو جميعًا" بحسب تعبيره. والمفارقة أن إعلان باباجان عن حزبه انطلق من قاعة سكاريا بفندق بيلكَنت في أنقرة، وهي نفسها التي شهدت بزوغ العدالة والتنمية عام 2002 في صورته النقية الأولى وكان هو أحد مؤسسيه، وفي أثناء إلقاء كلمته التدشينية، حرص على أن تكون خلفه صورة ضخمة لعلم تركيا، وإلى جوارها أخري لا تقل ضخامة عنها لمؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، للتأكيد على أن " الديمقراطية والتقدم " متباعد بالمطلق عن العدالة والتنمية المنحرف عن مبادئه الأصلية. كما أن رفقاءه المؤسسين ينتمون إلى شريحة تمثل أطيافًا مجتمعية مختلفة ، بعضهم وزراء ونواب برلمانيين سبق ومثلوا حزب العدالة والتنمية قبل أن ينشقوا عنه، والبعض الآخر أسماء جديدة تمامًا، قررت أن تخطو أولى خطواتها في عالم السياسة، والأهم هو أن أكثريتهم متحررون من تلك النزعة الأيديولوجية الضيقة ببعدها الإخواني سمة الزمرة الحاكمة، ومن ثم فكل اهتمامهم هو التطلع إلى غد يخلو من العنف والخوف والقمع والتمييز، وإنهاء الاستغلال السياسي للدين ف" لن نجعل من ديننا ومقدساتنا أداةً سياسيةً، لن نسمح لاستخدام الدين وسيلةً للدعاية السياسية"، تلك كانت عبارات باباجان في كلمته الاحتفالية بميلاد الحزب، وهو ما استقبله الحاضرون بعاصفة هائلة من التصفيق. وتبقى علامة الاستفهام : حزب باباجان الذي يعد الرابع والثمانين في الحياة السياسية والحادي عشر ضمن الأحزاب الممثلة بالبرلمان هل سيتمكن من زعزعة عرش أردوغان؟ ففي تحد للأخير تعهد باباجان بإصلاح "الديمقراطية الضعيفة"، ف"مواطنونا، والشباب منهم بوجه خاص، يشعرون بالقلق إزاء مستقبلهم ، ومع الانتهاكات الحقوقية وتقييد الحريات، صار من الصعب على مجتمعنا أن يتنفس" ، ثم معلنا رفضه للنظام الرئاسي، الذي أضاع المكتسبات الديمقراطية للدولة، بتدخله في عمل السلطة التنفيذية والتشريعية"، مشددًا في الوقت ذاته على "أنهم سيعيدون للمجلس التشريعي اعتباره، وسلطاته المسلوبة، كما أنهم سيسعون من أجل تأسيس نظام حكم ديمقراطي بالتوازي مع ديمقراطية برلمانية فاعلة". وأردف قائلًا "إن الذين لا يطبقون الديمقراطية داخل حزبهم، لن يكون بمقدورهم تطبيق الديمقراطية في البلاد"، والمقصود هنا واضح لا لبس فيه ألا وهو أردوغان الذي لا يطيق أي نقد يوجه له ولحكومته. واستنادًا لما ذهب إليه مراقبين فإن إطلاق باباجان لحزبه سيدفع نحو تقويض القاعدة الانتخابية لمنظومة الحكم التي تعاني أصلا من تراجع شعبيتها بشكل غير مسبوق، بالتوازي مع أوضاع اقتصادية وسياسية متردية أودت بتركيا إلى نفق مظلم ليست له نهاية. وفي وقت سابق ذكرت وسائل إعلام معارضة أن مليون منتسب بحزب العدالة والتنمية سحبوا عضويتهم خلال العام المنصرم وأسباب ذلك تطول منها تدخله في الشئون الداخلية لعدد من البلدان، حيث ورط جيشه في الحربين الليبية والسورية معا، ما خلّف خسائر فادحة في صفوفه كذلك استعدى العديد من الأطراف الدولية وجيمعها باتت لا تخف استياءها من سياساته. وبعد خروج قيادات بارزة منه بدأت التكهنات بأن حزب أردوغان يتجه نحو التفكك والذي عكسته النتائج المخيبة التي حققها في استحقاق المحليات الذي جري نهاية مارس 2019 وفيه خسر كبري المدن وعلي رأسها مدينتي أسطنبول وأنقرة. وهكذا ومع تنامي الانشقاقات وتزايد الاستقالات في الحزب الحاكم يصبح التساؤل مشروعًا، هل الشفاء من أردوغان أصبح وشيكا وأن نهاية السلطان باتت على مرمى البصر؟