كوارث متتالية ضربت قلب تركيا علي مدار عشرة أيام، هذه الحوادث يرى قطاع عريض من الأتراك أنه كان يمكن التقليل من خسائرها الفادحة، إلا أن حكومتهم تقاعست. ثمانون مواطناعلى الأقل لقوا حتفهم تاركين الحسرة والأسي لدي ذويهم، ناهيك عن أقران لهم يعتصرهم اليأس فلم تهدأ أفئدتهم بعد، ينتظرون بفارغ الصبر سماع أي نبأ عن أحبائهم المفقودين، صحيح أن غضب الطبيعة كان محور معظم المصائب التي حلت على البلاد والعباد، لكنه في ذات الوقت كشف عوار السياسات والإهمال الجسيم من قبل مؤسسات الدولة. البداية المفجعة كانت زلزالا مدمرا مركزه مدينة "آلازيغ" الفقيرة جدا، بحسب وصف زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كيلتش دار أوغلو، ما أدي إلى مصرع 31 مواطنا، وإصابة أكثر من 1600 آخرين . ولأنها كائنة بجنوب شرق الأناضول "المهمش" وغالبية سكانها من الأكراد ، فبنيتها الأساسية مثل من يسكنون عليها وفيها، متواضعة تفتقر إلى المطلوب من مرافق تحميها وتقلل بقدر الإمكان حجم الآثار الناجمة عن الزلازال، خاصة أنها من مناطق النشاط الزلزالي المعروفة للقاصي والداني، بيد أنها سبق وعانت خلال السنوات العشر الماضية من ويلات الهزات العنيفة، ومع هذا لم يطرأ تغيير ملموس على مرافقها وطرقها ومبانيها، التي لم تلتزم بأكواد البناء بحسب شبكة فوكس "الفضائية" المحلية محملة المسئولية للوالي الذي يتم تعيينه من قبل الحكومة التي يقودها الرئيس رجب طيب أردوغان. لكن في المقابل يتم حرمان رؤساء بلدياتها "المنتخبين" من التمويل الكافي بشكل متعمد، وذلك عقابا لهم ولمن انتخبوهم، ولتفضيلهم حزب الشعوب الديمقراطية الكردي بدلا من العدالة والتنمية الحاكم. ولم تمض سوى أيام تعد على أصابع اليد الواحدة إلا وحلت الانهيارات الثلجية في إقليم "وان "، وهو الآخر منسي ومنبوذ أيضا لذات الأسباب الإقصائية ولاختياراتها التصويتية المناوئة للقصر الرئاسي بالعاصمة أنقرة، زاد على أنه رابض بأقصي الشرق متاخما الحدود الإيرانية . وأسفر الانهياران الثلجيان اللذان وقعا الثلاثاء والأربعاء الماضيين إلى جرف حافلة في الأول كانت تقل 15 راكبا قٌتل منهم 5 وأصيب ثمانية بالإضافة إلى اعتبار شخصين في عداد المفقودين، و 41 شخصا في الثاني، بينهم عدد من عمّال الإنقاذ وتلك مفارقة، و84 مصابا بحسب حصيلة جديدة نشرت أمس الخميس ولايزال بين طبقات الثلوج آخرون، أصابع الاتهام انصبت علي تهالك الطريق الذي اتضح أنه بلا مصدات، وكذا العلامات التي تساعد على الرؤية. وفي محاولة استباقية ولتجنب إلقاء اللوم على الحكومة، حرصت الميديا التي يسيطر عليها الرئيس أن تسهب في عرض تفصيلي للحوادث المماثلة بشتي بقاع العالم، في إشارة لم تكن عصية على التفسير، وهي أن تركيا ليست وحدها، ورغم ذلك انهالت الانتقادات من كل صوب وحدب جراء التقصير الحكومي الذي وصف ب "الفاضح"، وبطبيعة الحال لم تجد طريقها لوسائل الإعلام لتحفل بها مواقع التواصل الاجتماعي . وبين هذا وذاك استقيظ الشعب التركي على خبر مقتل سبعة من جنوده بجانب مواطن مدني في قصف استهدف وحدة من جيشه بالشمال السوري، وهو الحادث الذي سلط الضوء مجددا على الثمن الفادح الذي يتحمله الأتراك نتيجة تدخل أردوغان في أتون صراع كان يمكن تجنبه . والأربعاء أيضا كان هناك موعد القدر في إسطنبول عندما انزلقت طائرة ركاب مدنية محلية خاصة، قادمة من إزمير، عقب هبوطها بشكل عنيف في مطار صبيحة جوكشن بالشطر الأسيوى من المدينة، ما أدى لانشطارها إلى 3 أجزاء، ومصرع ثلاثة من بين ركابها ال 180 بجانب عشرات المصابين، في حين يظل خمسة يصارعون الموت بالعناية الفائقة، غير أن الملفت في الواقعة أنها لم تكن الأولي بل هي الثالثة في أقل من عام لنفس الشركة. والخميس كذلك شب حريق ضخم بمحطة قطار "ديلوفاسي" التاريخية بمحافظة كوجالي الواقعة على بحر مرمرة، النيران اشتعلت في مبناها الرئيسي والذي يعود تاريخ تدشينه إلى العام 1950، وفي أقل من ساعتين كانت ألسنتها قد التهمت المبنى بأكمله لتحوله في النهاية إلى كوم رماد. أمام تلك المصائب المتتالية كان ولابد أن يتساءل الناس ما الذي يحدث؟ الزلازل والبراكين والسيول والعواصف أمور لا تستطيع السلطات منعها، لكن كان بمقدورها احتواء تداعياتها لولا الإهمال الذي هو سيد الموقف في معظم ما حدث!!