كلما استمعت إليه يراودك تساؤل مهم مضمونه هو كيف نجح هذا الفنان في الاستمرار في حصد النجاحات ومواصلة طريقه بالرغم من تغيير الأذواق وظهور كثير من الأجيال صاحبة المدارس الفنية المختلفة، والحقيقة أن الإجابة على هذا التساؤل تحمل كثير من الأجوبة ربما نستعرضها في هذا التقرير لكن هناك كلمتين لعلهما يخلصان عنوان الرحلة.. تلك الرحلة التي طاف فيها "الكينج" كما لقبوه محبوه من الجنوب للشمال وواصلها بجولات وضع فيها هويته في كثير من دول العالم. محمد منير "الصدق والتحدي" هكذا تتلخص رحلة محمد منير الذي يكمل عامه ال 65 اليوم، فقد حمل الكينج على عاتقه منذ بداية الرحلة مهمة اختيار الكلمة التي تعبر عن هويته وأحاسيسه حتى في اختياره لمجموعة الأعمال التي قام بإعادة توزيعها وغنائها لكبار النجوم من أصحاب الطرب القديم أما التحدي فهو البناء الحقيقي الذي صعدت عليه نجومية الكينج فهو تحدي لا ينصب نحو أمر واحد بل يحمل الكثير والكثير سواء على مستوى خلق مساحة على الساحة الفنية لمطرب من آصحاب البشرة السمراء محتفظًا بهويته النوبية في المرحلة التي شهدت تغييرًا جذريًا في الساحة الغنائية بعد أن رحلت أسماء كبار النجوم مثل عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وأفسحت الساحة لنجوم جدد مثل محمد ثروت وهاني شاكر وعلي الحجار بالإضافة إلى نجوم الطرب الشعبي مثل أحمد عدوية وتغيير الذوق الفني إلى حد كبير. محمد منير ويستكمل منير هذا التحدي بمواصلة الاستمرارية على الساحة الفنية تتغير ثقافته الفنية من فترة إلى أخرى حتى لا يقف عند مرحلة معينة مما يجعله في مصاف المجددين دائمًا والمطورين لأدواتهم الفنية بإستمرار لذلك بات هو نجمًا لكل الأجيال من معاصريه وغيرهم من الشباب. الرحلة الفنية للكينج التي تتجاوز الثلاثين عامًا لا يمكن اختصارها في مجرد سطور ولكن كما ذكرنا من قبل هناك نقاط رئيسية كانت سببًا أساسيًّا في استمراريته ونجاحه على مدار هذه السنوات في مقدمة هذه الأسباب أن منير هو نجم لكل حالة يمكن أن يمر بها الشخص في حياته الخاصة عن الحب والظروف الاجتماعية عن حب الوطن عن الجيرة والعشرة عن الأبوة حتى وإن كان جزءًا من هذه الأغاني مأخوذًا عن التراث النوبي وأعمال الراحل أحمد منيب فلولاه ماعرف أحد بهذا الفن وهذه الأعمال. محمد منير التجربة الألمانية، وهو الحدث الذي جعل من منير نجمًا صاحب حالة خاصة في مشواره الفني، فحين ذهب إلى ألمانيا للمرة الأولي في الثمانينيات، لم يكن منير كغيره من النجوم الذين يذهبون للتسوق وقضاء الوقت بالأماكن الفخمة، بل كان يذهب إلي النوادي والشوارع ليستمع للموسيقي، ولم يتعامل كنجم، رغم أنه كان نجماً في هذا الوقت بمصر، ولكنه تعامل وكأنه "فتي كشافة" يستطلع ما الذي يحدث في ألمانيا، ما هي الموسيقي التي يعزفونها وماهي مشكلات الموسيقيين هناك الأمر الذي يشير إلى جرأته وتحديه أيضًا لذاته حيث إن القيام بذلك فعل لم يكن سهلاً حينها خصوصًا في الوقت الذي كانت الكثير من دول العالم لم تتخلص من أزمتها مع العنصرية. محمد منير ولأن الموسيقي النوبية تحمل في قوامها طابع إفريقي، نجح منير في التوازن بين الموسيقى الشرقيةوالغربية وذلك من خلال عدم تخليه عن جذوره النوبية حيث إن نغمات أغانيه تأتي من على ضفاف النيل ممزوجة بأفكار موسيقي تتلاءم مع روح الغرب مثل بوب مارلي، ومايكل جاكسون، لذلك عمل منير على تجديد التراث النوبي ونقله للعالم الخارجي مما جعله واحدًا من الفنانين المصريين القلائل الذين تَرَكُوا بصمتهم في المجتمعات الغربية وبمنهجية لا ينافسه فيها أحد. منير لم يكن مهتماً فقط بتراث بلدته لكنه كان مهمومًا أيضًا بالتجديد للعديد من الفنانين الذين نجح في تطويع وتوظيف صوته على أعمالهم بل إنه لم يذهب لأعمال معروفة أو فنانين أصحاب جماهيرية كبيرة بل ذهب للتفتيش عن مطربين لم يأخذوا حقهم على الساحة الفنية مثل آخرين، وبفضل إعادته لأعمالهم وضع لهم نجومية من طابع خاص وكان من بين هؤلاء الراحل سعد عبد الوهاب" بأغنية الدنيا ريشة في هواه، وليلى جمال ب "شىء من بعيد نداني"، ونجاة ب "أنا بعشق البحر" وهي واحدة من أهم الأعمال التي جددها الفنان في رحلته الفنية. محمد منير حقق الكينج جماهيرية كبيرة في مجموعة ألبوماته التي قدمتها تحديدًا خلال عقدي التسعينات والعشر الأوائل من الألفية الجديدة مكتسبا به شعبية كبيرة تحديدًا مع قطاع الشباب الذين شكلوا له ألتراس خاص يحمل اسمه يحتفون به طوال الوقت لنجمهم المفضل ويرتدون تيشرتات مطبوعا عليها صورته، ولعل الحفلات التي حافظ الفنان على تقديمها بدار الأوبرا المصرية وكانت أعداد الجماهير فيها تصل إلى 60 ألف مشاهد سببًا في هذه الجماهيرية الكبيرة بين الشباب الذين كانوا يغلقون بوابات الأوبرا من مختلف جنباتها من كثرة أعدادهم. وتزداد شعبية منير كلما مرت عليها السنوات ليس فقط لهذه الأسباب بل إن هناك سرًا آخر في رحلة نجاحه تكمن في حفاظه على مفهوم الإنسانية بكامل معانيها مما جعلها تنطبع على أعماله التي تضمنت كثير من المشاعر والأحاسيس عن إحساسه بهموم ومشاكل المواطن والتعبير عن آرائه السياسية خصوصًا وأنه كان واحدًا من الذين لعبوا دورًا حيويًّا بأعماله خلال فترة الثورة وما بعدها مثل أغنية "ازاي" التي كانت شرارة الثورة في 2011 وأغنية "فات الكتير يابلدنا" التي قدمها خلال افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة. محمد منير يظل منير صاحب منظومة فنية لها سحر خاص لا يمكن أن تصنفه بكونه فنانًا عاديًا بل هو واحدًا من الذين جعلوا للأغنية المصرية هوية وقيمة تشعر بها وتعيش معها في الأفراح والأوجاع، تحمل الروح المصرية وتمجد من شأنها، ويبقى هو وحده متفردًا في هذا الفناء الكبير مثل الكنز يزداد ألقه كلما مرت عليه السنوات. محمد منير محمد منير