لفترة طويلة لم أجن من عملي نجارًا سوى مزيد من الفقر، أخرج كل يوم في الصباح وأعمل جاهدًا طوال النهار، لكن في النهاية مقابل كل ذلك الجهد أتحصل على مبلغ بسيط.. لا يكفيني أبدًا لسد متطلباتي الحياتية.. عانيت في كل شيء وكان الفقر يحاصرني من كل جهة. فكرت كثيرًا في وسيلة للهرب من قبضة العوز التي تعصرني، وتحيل حياتي لجحيم مستمر لا هرب منه، وحينما تأملت حالي قلت لنفسي بالتأكيد أنا أحتاج قوة خارقة لترك الفقر وراء ظهري.. حينها لمعت الفكرة بوضوح في ذهني، وقلت لما لا أدعي أنني أملك القدرة على السحر والدجل والشعوذة، وحينها أقدم خدماتي للناس في الحصول على ما يتمنونه مقابل المال. بدأت بالترويج لنفسي وأنني أملك القدرة على تزويج العانس، ورد الحبيب وجلب الرزق وغيرها من أمنيات البشر، وساعدتني كثيرًا السوق الرائجة لتلك البضاعة الرخيصة لدى العوام في مدينة الأقصر التي أقيم بها. وبدأ زبائني يتزايدون وكذلك حيلي للحصول على أموالهم، فحينا أجرب حجاب ما، أو أتلو كلمات غامضة لا معنى لها وكأنها تعاويذ سحرية.. المهم أن يقتنع زبوني بقدراتي، حتى وإن لم تحل مشكلاته أبدًا، وفي النهاية يعطيني أمواله بدون جهد، ومع الوقت تأكدت أن النصب والسرقة هما أسهل وسائل الغنى بعيدًا عن العمل المجهد والشاق الذي كنت أمارسه. منذ قرابة 5 أشهر جائتني تلك السيدة الخمسينية "عائشة" وفي يدها ابنتها "إلهام"، وحكت لي ربة المنزل الطيبة كيف أن ابنتها صاحبة 27عامًا، لم تتزوج حتى الآن، على الرغم أنها في الطريق للثلاثين من عمرها، وطلبت مني حلًا لتلك المعضلة التي تنغص حياتهما، لكن بينما السيدة تروي معاناة بنتها التي تعمل بائعة في مكتبة، كانت أنظاري وقتها معلقة على تلك الأقراط والحلى الذهبية التي تزين السيدة وابنتها، وكيف يمكنني أن أحصل عليها فهي تبدو ثمينة للغاية. جربت مع السيدة عدة تعاويذ وأخبرتها أن مشكلتها في طريقها للحل، لكنها تحتاج لبعض الوقت، وأنها ربما تحتاج لزيارتي مرة أخرى لأتأكد من أن كل شيء يسير على ما يرام، وحصلت مقابل ذلك على مبلغ لا بأس به، لكن في قرارة نفسي قررت سرقة السيدة إذا ما كررت زيارتها، وإن تطلب الأمر قتلها وابنتها معا. صدقت توقعاتي، فوجدت السيدة وابنتها يطرقان بابي من جديد، فبالتأكيد مشكلتهما لم تحل، فكلماتي الغامضة لا تحل شيئًا على الإطلاق، فهي بلا معنى وبلا طائل، لمعت عيناي بشدة، وأدركت أنني سأنال حليهم الذهبي هذه المرة، أخبرتني السيدة بما حدث معهما وأن ابنتها ما زالت بلا زواج، أخبرتها أن الموضوع بسيط ولا داعي للقلق إطلاقًا، لكن هذه المرة يجب ممارسة سحر قوي لا يخيب أبدًا. وتأكدت منهما أنهما يقيمان بشقتهما وحدهما، وطلبت أن أزورهما ليلًا، حتى لا يراني أحد، لأمارس تلك التعويذة القوية في منزلهما، وافقاني على الفور ودون تردد. دخلت شقة ربة المنزل وابنتها بعدما تأكدت أن أحدًا لم يراني إطلاقًا، وبدأت في تنفيذ خطتي، فأكدت على ضحيتي أن تلك التعويذة مؤلمة للغاية، فأكدا أنهما سيتحملان كل الألم اللازم لحل مشكلتهم، كنت متأكدًا من ذلك، فمن خلال خبرتي في عملي الجديد، تعلمت أنك ستندهش حقًا لمعرفة ما يمكن أن يقدمه ويتحمله البشر للحصول على أمانيهم. وطلبت من الأم وابنتها دخول كل منهما لغرفة منفصلة، وتوثيق أيديهما وأرجلهما، حتى لا يفسدا السحر، وافقاني أيضًا بكل سهولة، وشرحت لهما أن كل منهما قد تسمع صوت الأخرى تتألم أثناء قراءة التعويذة، ولا داعي للقلق إطلاقًا فهو طبيعي ومتوقع؛ توجهت لغرفة الأم وبيدي قماشة مبللة وهي أمامي مقيدة بلا حول ولا قوة لها، وبخفة وسرعة كتمت أنفاسها بالقماشة، حتى فارقت الحياة، لم تشك ابنتها للحظة فيما حدث، ولم تلقى بالًا لصرخات الأم المكتومة وهمهماتها بينما تلفظ أنفاسها الأخيرة، وظنت أنه جزء من السحر الذي أمارسه. ودخلت على الابنة غرفتها وبيدي القماشة المبللة، والابتسامة تملأ وجهي وطمأنتها أن نصف التعويذة اكتمل وبقى نفصها الآخر، وانقضضت عليها في الحال، وكررت ما فعلته مع والدتها، وبعدما تأكدت من مقتلهما استوليت على حليهما الذهبي وغادرت بخفة حتى لا يراني أحد من الجيران. كنت سعيدًا بنجاحي في مهمتي، وحملت المسروقات لبيعها لتاجر ذهب أعرفه، وتحصلت على 9 آلاف جنيه نظير بيعها، وعدت لبيتي فرحًا بما كسبت. وبعد عدة أيام اكتشف الجيران جثتي السيدتين، وهما في حالة تعفن، وشك رجال المباحث أنهما تعرضا للقتل بغرض السرقة، بعد مشاهدة آثار العنف على الجثتين، وأخيرًا وجدت رجال الشرطة يحاصرون بيتي، ويقبضون علي، واكتشفوا أنني الفاعل بعدما سجلت كاميرا مراقبة بأحد المحال دخولي وخروجي من العقار الذي شهد الواقعة. وحينها أدركت حقًا بشاعة وخسة ما فعلت، بعدما أعماني الجشع، وأغراني المال، نعم سلبت حياة البريئتين مستغلًا أملهما في "عريس" يفرح قلبهما، نعم قتلني طموحي في الغنى ودمرتني رغبتي في الحصول على الأموال دون تعب وعناء.. "نعم أنا القاتل". تجدر الإشارة إلي أن القصة عبارة عن سرد تحليلي مبني على تحقيقات النيابة العامة وتحريات رجال الأمن، وذلك في قضية اتهام نجار يمارس أعمال الدجل والشعوذة بقتل أم وابنتها في مدينة الأقصر، بعدما لجأوا إليه لتخليص الابنة من عنوستها ومساعدتها في الزواج، وأمرت النيابة بحبسه على ذمة التحقيقات.